لميعة وغنج القصيدة

ثقافة 2021/06/21
...

د.حسين القاصد 
 
شهدت كل تقلبات العراق السياسية والاجتماعية، وعاشت كل تفاصيلها، وحايثت زهو الشعر في العراق وذروته، وأسست بل نحتت اسمها على خارطة الشعر العراقي وتغنى بها الشعر وتغنت به، ثم حان لها أن تقول لنا من بعيد: وداعاً. 
رحلت لميعة عباس عمارة، وهي من الواحدات، في الشعر العراقي، إن لم تكن هي الوحدى، في القرن العشرين، والأخريات إكمال عدد لا أكثر.
لميعة أخذت من اسمها اللمعان لشعره وهندست (عمارته) على أجمل ما يكون؛ وحين أقول إنها (الوحدى) ذلك لأن الماكنة الإعلامية ومؤسسات النقد السلطوية، ظلمتها كثيراً، إذ كان النقد الأدبي منشغلا بنازك الملائكة وسطوعها الإعلامي المعزز بدعم المؤسسة النقدية القومية الناصرية، ثم المؤسسة السلطوية في العراق، أيام صراع الزعيم عبد الكريم قاسم وجمال عبد الناصر.
ولنعد إلى لميعة وغنج قصيدتها الممتعة المتمنعة؛ إذ لم تشهد الشعرية العربية قصيدة أنثى على مر التاريخ ومنذ ولادة بنت المستكفي مثل قصيدة لميعة؛ وما بدعة تأنيث القصيدة التي جاء بها الدكتور عبد الله الغذامي متخذاً نازك الملائكة تأسيسا لتأنيث القصيدة، إلا ضرب من العبث والوهم في آن واحد، فنازك لها قصائدها الفحولية الحماسية ولها في مديح عبد الناصر وعبد السلام عارف الشيء الكثير، أما لميعة فهي شاعرة المفردة الرقيقة والطرح الشهي غير المبتذل.
تنماز قصيدة لميعة عباس عمارة بالإغراء اللغوي إذا جازت لنا التسمية، وليس الإفراط باستعراض الجسد لاصطياد القارئ أو المتلقي.
 فالقصيدة لديها شهية عصية، نقية خالية من نسق الاتكاء على الجسد الذي تعتمده شواعر هذا الزمن ليسحبن المتلقي إلى شعرهن عبر جسر مغريات الجسد.
رحلت لميعة عباس عمارة، لكن بقي لمعانها ويبقى، وحسبها أنها شاعرة غير مختلف عليها في حياتها وموتها.
ترى كم سيحتاج الشعر العراقي لينجب لنا لميعة أخرى في ظل التسيد الذكوري للشعر، وميوعة الشعر النسوي وانشغاله بشهية الرجال لا بذائقتهم الشعرية.
شكرا لميعة عباس عمارة؛ شكرا لأنك عراقية. لا تقلقي فلسوف يعتنى بشعرك ويخلد أكثر؛ فما أثمن الأشياء حين فقدانها. وما أثمنك يا لميعة.