الأغنية إطلالة للحياة

الصفحة الاخيرة 2021/06/22
...

سامر المشعل 
غربت عن افق الساحة الفنية الأغاني التي تحمل المضامين الانسانية أو الاجتماعية أو أغنية الحياة التي تترجم يومياتنا بصيغ ابداعية تجعلنا نتأمل وقعها بشيء من المتعة المفتوحة نحو حقول الجمال، ونحن ننصت باعجاب لما فعله الاخوان رحباني مع فيروز، من سحر يكشف عن مقدرتهم الفذة في تلوين حياتنا باغانٍ تتسم بالتلقائية الابداعية وترصد مفردات الحياة ببساطة التناول وقدرة الخلق الموسيقي واللحني في تقديم الاغاني للناس وللحياة وابطال اغانيهم «حنا السكران»، «شادي»، «البوسطجي»، «البنت قامت تعجن بالفجرية»، «طيري يا طيارة طيري يا ورق وخيطان، بدي ارجع بنت صغيري على سطح الجيران..»، «يا الطاحونة»، فالاخوان رحباني مع الصوت المعبر عن موهبتهما «فيروز» يعانقون اسماعنا كل صباح باغانٍ تبث الامل والبهجة، وقدموا اغنية للحياة نابعة من صميم حياة الناس ووجدانهم وارهاصاتهم ليعيدوا بضاعتهم للناس بطبق من الابداع، فلم تعد الاغنية محصورة في بيوت الامراء والاثرياء والباشوات ودار الاوبرا وقاعات العرض، وقد سبقهم في هذا المجال الموسيقار سيد درويش.
وغابت ايضا عن افق الاثير الاغاني التي تحمل مضامين نقدية توجيهية للمجتمع نحو الفضيلة والفعل الانساني لترفع الحيف والمظالم التي تقع على فئة أو شريحة معينة مثلما فعل الفنان الريفي الراحل عبادي العماري في أغنية «فصلية» والتي كانت وما زالت تمثل اداة تنوير متوهجة في عقول وضمير الكثير من أبناء الريف العراقي، الذين يتخذون من المرأة سلعة رخيصة في فض النزاعات واطفاء روح الثأر والانتقام بأخذ المرأة زوجة «فصلية» من دون أي اعتبار لقيمتها الانسانية والوجودية بالحياة، وقد واجه الفنان الكبير عبادي العماري واقعه بكل صدق وادانة وانتصف للمرأة.
على العكس تماما مما نسمعه ونشاهده هذه الايام من اغانٍ احادية الخطاب الغنائي تتمحور على خيانة المرأة وشيطنتها، وكأننا نعيش نكسة ثقافية وحضارية عبر الاغنية، فالاغنية الحديثة أو ما يعرف بالاغنية الشبابية، وانا لا المس فيها روح الشباب المتقد بالحيوية والحماس نحو افق الطموح والحب والرومانسية والجمال، انما هي أغنية انكسارية تناغم الضياع السياسي الذي يغلف وجودنا وتعزز اللا جدوى من الحب والصدق والاخلاص مع المرأة وتدعو الى الهجر والانفلات الاخلاقي، ومتخمة بالسادية والتلذذ بتعذيب الحبيب والتهديد والوعيد بالفراق والهجر، موجهة نحو فئة معقدة نفسيا تعيش الخذلان والانكسار والنكبات الوجودية، وهذه النوعية من الاغاني باتت هي الرائجة والمنتشرة في الساحة الغنائية، اما الاغاني التي فيها نكهة انسانية وتعزز القيم الاجتماعية ومشاعر الاخوة والحب نحو الزوجة والام والاب والطفل والجار، فقد غابت للاسف الشديد وما عاد هناك من يفكر في رسم صورة اخرى للحياة تكون أكثر اشراقاً وتفاؤلاً وحباً وجمالاً.