التعليم الالكتروني ما له وما عليه

آراء 2021/06/22
...

  ابراهيم سبتي
 
قطعا لا يمكن لأية عملية تعليمية أن تتم من دون توفر الاسس، التي يقوم عليها ويكمّل بعضها البعض وهي المدرسة والمعلم والمنهج والطالب، الذي يعد محور العملية برمتها. وان فقدان إحدى هذه الاسس سيصيب الجهود التربوية والتعليمية بالخلل وربما بالخسارة والفشل. 
وقد اسست المدرسة على اعتماد نظرية التعلم المباشر والمواجهة بين المعلم والطالب والمنهج مما يخلق تفاعلا حيويا طيلة ايام العام الدراسي، وهذا التفاعل مرده الى وجود عدة عوامل منها البيئة الملائمة والأسرة، التي تقف خلف الستار سندا للمعلم في اكمال ما بدأ به، وهو دور حيوي يضيف الكثير من اسباب نجاح مهمة وايصالها الى الهدف. وأكثر الفئات التي تهمها هذه المواجهة هم تلاميذ الصفوف الاولى في المدرسة الابتدائية واقصد هنا الاطفال الذين بدؤوا، للتو سعيهم الدراسي ودخولهم الحياة الجديدة خارج البيت والاسرة، حاملين أحلامهم الصغيرة فوق اكتافهم، ويبنون عوالمهم المفترضة مع أقرانهم في فسحة المدرسة التي ستكون تاريخا لا ينسى مهما مرت السنوات، الامر الذي سيعطي لاحقا ثماره بالتأكيد لتنمية عقولهم الغضة ومداركهم اليانعة، وقد يكونون اكثر فئات المتعلمين حاجة لوجود المعلم والمدرسة، التي سيواجهون فيها مهمة التعلم بعقولهم و عيونهم وجوارحهم. بعد انتشار جائحة كورونا، التي اجتاحت العالم منذ ما يقارب السنتين، تغيرت مفاهيم المجتمع وعاداته واساليب التعايش ومفردات الحياة وباتت مفاصله تعاني من الشلل والركود، وخاصة المدرسة التي كانت الضحية المهمة من بين ضحايا الحجر الصحي والوقاية والتباعد الاجتماعي، كما الحال مع اساسيات الحياة اليومية الاخرى التي اصابها الشلل 
والتوقف. 
فكان لا بد من ايجاد البديل وهو الخيار الامثل والاقرب للمدرسة لإدامة زخم العملية التعليمية بقدر معين ومقنع واستمرار ضخ الدروس اليومية، كتعويض عن فقدان المدرسة كحاضنة علمية وفضاء تربوي سليم، بما في ذلك المعلم الذي تقع على عاتقه مهمة نبيلة لا تعوض، وكان البديل والخيار الامثل هو التعليم الالكتروني، الذي شمل جميع مفاصل الدراسة اعتبارا من المدرسة الابتدائية وحتى الجامعة. فدخل العراق كما غيره من الدول، تجربة جديدة لم تسبقها مقدمات وكأنها مفاجأة وقعت على الأسرة قبل الطالب، وهي تجربة اعتمدت التقنية المعلوماتية، وقنوات التواصل التي جُندت لهذه المهمة. 
من هنا كان لا بد لهذه التجربة ان تنجح رغم فقدانها الكثير من المؤهلات، التي لا يمكن بأي حال من الاحوال أن تتساوى مع التعليم داخل المدرسة، لكنها صارت خيارا لا بد منه لتفادي فقدان السنوات الدراسية من اعمار الطلبة، فسجلت نجاحها رغم حداثتها عبر جهود مهمة اشتركت فيها المدرسة والأسرة على حد سواء. 
وفي تجربة العام الماضي وهذا العام، كان اكثر الخاسرين من هذه التجربة هم تلاميذ الصفوف الاولى من المرحلة الابتدائية، الذين لم يخرجوا من بيوتهم ليروا المدرسة التي تخيلونها ولا المعلم الذي رسموا له صورا واشكالا في رؤوسهم، فأضيف للأسرة هم جديد هو متابعة التعلم عبر المنافذ الالكترونية والتعود عليه. وهو امر نأمل ان لا يطول ويأخذ من جرف اعمار طلبتنا في السنوات القادمة، لان جميع المؤشرات تتنبأ بزوال خطر الوباء في المستقبل القريب، خاصة بعد انتشار اللقاحات ووسائل ردع الفيروس القاتل، والتي أسهمت جميع الدول بهذه المهمة الانسانية التي لم تترك بلدا الا واصابته ونالت منه. حينها قد تعود المدارس الى سابق عهدها اسوة بالمفاصل الاخرى. 
يرى البعض بأن تجربة التعليم الالكتروني هي تجربة ناجحة من الجانب العلمي، ولا تختلف بأي حال عن التعليم داخل المدرسة، طالما ان المنهج المدرسي المقرر يصل الى المتلقي وان اختلفت الطريقة، ومؤكدت انهم يستندون في ذلك الى وصول الطالب والأسرة الى مرحلة التكيف مع هذا النمط من التعليم، وبلوغ النتائج المرجوة منه، وتوالد علاقة حميمة بين الطالب والمعلم والمنهج والتقنية المعاصرة. وبصراحة نقول إن هذا الخيار قد انقذ مهمة التعليم من التهميش والضياع، رغم انه لم يعط الطالب كل ما يريده وهو داخل المدرسة، خاصة الصغار الذين باتوا يحلمون برؤية بناية المدرسة وهيئة المعلم وتلاميذ آخرين داخل الصف. نأمل ان تتلاشى الجائحة وتذهب بلا رجعة، وتعود الحياة الى طبيعتها وزوال الخوف والقلق من قلوب الناس، الذين صاروا يتعاملون بحذر شديد في كل شؤون حياتهم، وبالتأكيد ستكون المدرسة حينها جاهزة لاستقبال طلبتها، من دون محاذير من انتشار العدوى والاصابة كما هو الواقع حاليا، والتفرغ كليا الى ممارسة التعلم في جو تربوي سليم ومعافى وخال من الصعوبات والمعوقات التي ربما تصيب بعض الدارسين وهم يمارسون التعلم عن بعد.