أيقونة الوحدة الوطنية

آراء 2021/06/22
...

   علي كريم خضير
 
  ليست الذكريات محض سردٍ تأريخي لأحداث عفا عليها الزمن. بل هي كنزٌ من التجاريب، وتمحيصٌ للمواقف بين الناس نسترشد بها، وتهتدي بها الأجيال اللاحقة. ودعوة السيد الشهيد الصدر الثاني ( قدس سره) إلى أداء صلاة الجمعة كانت مفتاحَ سلامٍ بين المذاهب والطوائف المختلفة، وخطاباً توخّى الهوية العراقية فيه، بعيداً عن التجاذبات والنقاط الخلافية التي بدأت ملامحها تضمحل رويداً رويداً، ما جعل ناقوس الخطر يدق في ذهنية النظام السابق، وصار يُدرك أنَّ الفكر الذي عمل عليه في تفتيت هذه الوحدة قد تهاوى في ظرفٍ قصير أمام هذا المدّ الديني الذي يؤمن بالعدالة والحرية والاختلاف في المعتقد والمذهب، وبرهن على أنّ هذا الطيف الفسيفسائي هو مصدر قوة للأمة والشعب، في حال لو أنّهُ وُظّف بطريقة صحيحة وموضوعية بمنأىً عن المناكفات التي أساءت إلى هذا الشعب الغني بإرثه الحضاري في ظل حكومات عمّقتْ النزعة الطائفية منذ زمن الاحتلال العثماني، مروراً بالاحتلال البريطاني وحتى الزمن الحديث. وقد يكون موقف ساطع الحصري شاهد عيان من قضية تعيين الشاعر محمد مهدي الجواهري بصفة مدّرس ثانوي في العهد الملكي، وتغيير جهة التعيين بعد ذلك إلى معلم ابتدائي، مع أنّ التعيين قد جاء بأمرٍ وزاري، وما تبع ذلك من سجالات بين معالي الوزير وساطع الحصري. ومن الملامح الأخرى على بروز هذه الظاهرة المقيتة في الحكم العارفي استقالة العلّامة الشاعر الكبير محمد رضا الشبيبي من رئاسة المجمع العلمي العراقي بعد الضغوط الشديدة التي مورست ضدّه، على الرغم من مكانته الأدبية الرفيعة التي نالت استحسان الشخصيات الثقافية العربية البارزة آنذاك. ولا ريب أن نجد بعد ذلك هذه النزعات واضحةً جداً في سلوك قيادات البعث المقبور، ومحاربتهم لكلِّ توجهات وحدوية من أجل عقد أواصر المحبة بين مكونات الشعب الواحد. غيرَ أنّ هذا الطلاء سرعان ما أمحى. وبذلك لا نعدم أن نجد ذلك الشعور الواعي الحي المرتبط بالوطن، والإحساس العميق بدور المواطن في المسؤولية الملقاة على عاتقه في البناء والتقدم، بعيداً عن الذات المؤدلجة التي تنظر إلى الوطن عبر مرآة الشخوص، الذين تتعبدهم، وتقتفي آثارهم في غدوها والرّواح. وهكذا فرضت شخصية الصدر الثاني في ظهورها حاجزاً مانعاً أمام هذه الأطروحات المسيئة، وفاجأت النظام بشكلٍ مذهل، حتى أنَّ الجريمة في وقتها قد شهدت انخفاضاً غير مسبوق. وسجلت الحالة الأمنية استقراراً كبيراً بفضل دعوات السيد الشهيد (قدس سره) التي أشاعت التراحم والطمأنينة والسلام تحت خيمة العراق وشعبه الصابر الأمين. بيد أنَّ خنجر الغدر هو السلاح الوحيد الذي خاطبت به زمرة البعث العلماء والشخصيات الوطنية المخلصة طيلة مسيرتها في العراق، من أجل أن تفرض نفسها على رقاب الناس بالتجويع والعسف والترهيب. وهكذا طويت حياة الشهيد الحافلة بالمنجزات الكبيرة، والحياة الحرّة الكريمة لتعانق السماء بروح التضحية والفداء من أجل الدين 
والوطن.