وَاْ خَجْلَتَاْهُ

آراء 2021/06/23
...

 حسين الصدر
 
 - 1 -
قصص الجواري والغلمان في بيوت السلاطين كثيرة وكثيرة للغاية، وهي تعكس رُوحَ البذخ والترف والانغماس في إشباع اللذائذ الجنسية عند مَنْ تربعوا على دست السلطة، فعاشوا لهمومهم الشخصية والجنسية منها بالذات - إنْ صَحَّ التعبير – ولم يعيشوا لقضايا الأمة الكبرى!.
 - 2 -
وكانت هناك طبقة من فقهاء البلاط على أُهبة الاستعداد لاصدار الفتاوى المناسبة لحل ما يواجهونه من مشكلات في هذا المضمار!.
- 3 –
ولن نطيل في سرد الحكايا المسجلة في كتب التاريخ عن اولئك السلاطين وطاقمهم الفقهي الخاص بهم..، ونكتفي بايراد بعض ما ذَكَرَهُ الفخر الرازي في تفسيره الموسوم بـ ( تفسير الفخر الرازي، المشتهر بالتفسير الكبير ومفاتيح الغيب) وهو لا يذكر الا ما يراه من الحقائق لا الأساطير.
جاء في الجزء الثاني ص 215
" قال الرشيد يوما لأبي يوسف:
عند جعفر بن عيسى جارية هي أحب الناس إليّ،
وقد عرف ذلك،
وقد حلف أنْ لا يبيع ولا يهب ولا يُعتق،
وهو الآن يطلب حَلَّ يَمِينِه}
فالمطلوب تحديداً ايجاد الحل للخلاص مِنْ تَبِعَة اليمين، ليتمكن جعفر بن عيسى مَنْ ارسال جاريته الجميلة للسلطان من دون تأخير، وما أسرع ما جاءت الفتوى على النحو التالي:
{يهب النِصْف،
ويبيع النصف،
ولا يحنث}
وهكذا تمت الاستجابة لرغبة السلطان في تمكينه مما أراد!.
وعلى الاسلام السلام!.
- 4 -
وأورد الرازي اَيضاً وفي الجزء نفسه (ص 215 - 216) ما قاله محمد بن الحسن:
{كنتُ نائماً ذاتَ ليلة فاذا أنا بالباب يدق ويقرع فقلتُ:
انظروا من ذاك؟
فقالوا:
رسول الخليفة يدعوك،
فخفتُ على روحي، فقمتُ ومضيتُ اليه، فلما دخلتُ عليه قال:
دعوتُك في مسألة:
إنّ ام محمد (يعني زبيدة) قلتُ لها:
انا الامام العدل،
والامام العدل في الجنة، فقالت لي:
إنّكَ ظالمٌ عاصٍ،
فقد شهدتَ لنفسك بالجَنّةِ فكفرتَ بِكَذبكَ على الله،
وحرمتُ عليك}
هكذا حكمت (زبيدة) على زوجها!.
وهنا سأل محمد بن الحسن الرشيد قائلا:
"يا أمير المؤمنين:
اذا وقعتَ في معصيةٍ هل تخافُ اللهَ في تلك الحالة أو بعدها؟
فقال:
اي واللهِ، أخاف خوفا شديداً
فقلتُ:
أنا اشهد أنَّ لك جَنَتَيْنِ، لا جنةً واحدة
قال تعالى:
{ولمن خاف مقام ربه جنتان}
 
فلاطفني، وأمرني بالانصراف فلما رجعتُ الى داري رأيتُ البدر متبادرةً الي"
المقصود بالبدر الجوائز والعطايا والهبات السخية التي أُرسلتْ اليه دون ابطاء –
وبصراحة:
انّ هذا التاريخ مُخجِلٌ للغاية..
والأنكى من ذلك الاصرار على تلميع صور السلطان وفقهائه واعتبار المساس بهم خطأً أحمر!.
 - 4 -
إنّ هذه السوابق شجعت الكثير من حكّام الأمة على الاقتداء باولئك السلاطين..
وهنا تكمن الكارثة.
 - 5 -
وقد ورث بعض السلطويين المعاصرين من اولئك السلاطين المترفين النزعة الى تنزيه انفسهم والشهادة لها بالنجاة، والفوز بالجنة، بالرغم مِنْ كل الممارسات الحمراء والصحائف السوداء.
وهنا تسكب العبرات...
  - 6 -
لن يفوز بجنات الله العريضة إلّا الأبرار الصالحون، الذي آثروا أنْ يعيشوا لدينهم وأمتهم وقضاياها العادلة، لا المنغمسون في بحار الشهوات والمظالم.
والعقبى لأهل التقوى.