هروب الثقافة إلى السياسة

آراء 2021/06/23
...

  نجاح العلي
                                      
قلة هي تلك الكتابات التي تبحث دوافع الكتابة في التخصصات الثقافية والسياسية والاقتصادية والرياضية والفنية وغيرها، فاذا كان بعض الصحفيين يبتعد عن الكتابة في الشأن السياسي لأسباب أمنية او بسبب تهديدات وضغوطات قد يتعرض لها، فان الكتابة في المجال الثقافي لا توجد لها هكذا مصدات، بل بالعكس فان المثقف العضوي الفعال هو من يستمر في عطائه الثقافي ومنجزه الابداعي تحت كل الظروف.
الملفت للنظر بروز ظاهرة جديدة هي تحول العديد من الروائيين والشعراء وكتاب القصة والقصة القصيرة، الى الكتابة في الشأن السياسي وانسلاخهم شيئا فشيئا عن واقعهم الثقافي، فتمر السنون والاعوام فلا نجد لهم منجزا ثقافيا، والسبب هو الانشغال في التحليلات والكتابات السياسية.
قد يعود السبب في هذا التحول الدراماتيكي والغريب؛ الى قدرة المثقف والاديب على تطويع اللغة وامكانية الكتابة في جميع التخصصات وسهولة سبر اغوار اي تخصص دون عناء، ومنها الكتابة في الشأن السياسي، خاصة ان الهالة الثقافية التي يتمتع به تعطيه دفعا وزخما، ليتقبل الآخرون ما ينشره في هذا المجال حتى ان كانت هذه التحليلات السياسية بسيطة وحالمة في احيان كثيرة؛ ناهيك عن امكانية ظهوره الاعلامي الواسع والمكرر عبر وسائل الاعلام وخاصة الفضائيات بما يوفر فرصة مجانية للشهرة والانتشار، حتى ان بعضهم بات يعرف نفسه امام الجمهور بانه محلل سياسي ونسي او تناسى تاريخه ومنجزه الثقافي الذي يتذكره احيانا، ويفخر به في الحلقات الضيقة بين الاصدقاء والمقربين بحالات تشي بحنينه لمنجزه الثقافي، الذي قد يخلده وتذكره الاجيال عكس المنجز السياسي، فهو كالفقاعة جميل ورائع والحصول عليه ببساطة، لكنه وقتي ويسحب الكاتب شيئا فشيئا الى الميل الى جهة سياسية قد تغريه بمنصب سياسي او رسمي او تتعاقد بعض الفضائيات معه، ليكون بوقا ناطقا باسمها وليس محللا محايدا ومهنيا، وبذلك يخسر تاريخه الثقافي واحترام ومتابعة الجمهور الحذق والواعي.
نحن لا نطلب من المثقف ألا يكتب في الشأن السياسي، بل بالعكس ندعوه لذلك ونربت على كتفه لو فعل هذا؛ ونريده أن يظل متمسكا بجذوره الثقافية ولا يتنكر لها او ينسلخ منها، لأنها هي الاساس، ولولاها لما وجد له موطئ قدم في الكتابة في الشأن السياسي، وان المثقف بامكانه كما اسلفنا أن يكتب في شتى المجالات والتخصصات عكس بقية الصحفيين المتخصصين، فلا يستطيعون او لنقل من الصعب أن يكتبوا في تخصص آخر؛ فخسارة المختص في الشأن الثقافي، لا يمكن تعويضها، لان هذا المجال شائك وصعب الخوض به، الا من حباه الله بمعرفة ووعي وثقافة عالية.