المنهج التأويلي في الترجمة

ثقافة 2021/06/23
...

 عبد الصاحب محمد البطيحي
 
لا ضير، في البدء، أن نتحدث عن الترجمة وأهميتها كحقل معرفي، فهي في حقيقتها تجسيد لوعي نقدي ونقل لبنى اللغة العميقة والسطحية. كما نتحدث عن مهمة المترجم، إذ اتضح منذ القدم تلاقح اللغات والثقافات.
كان للترجمة اسهام في هذا الأخذ والعطاء. كانت نافذة للعرب كما لغيرهم على ما أنتجته وفكرت به الأمم الأخرى. هي عمل يحتاج الى وقت وتفكير وقراءة ومراجعة وتدقيق مصطلحات لنقل الكلمات من لغة الى لغة اخرى بمعنى مفهوم. تكمن مهمة المترجم في كونها أبعد ما تكون عن إحلال لغة محل لغة أخرى إذ هو، بفضل ما يتمتع به من موهبة أدبية، يقوم بتفسير هذه العناصر في ضوء الظرف الجديد وتحويله الى نص مولد. 
فهو الوسيط الثقافي والخالق الآخر للنص الأصلي.
لا يمكن تناول علم من دون منهج يفصح عنه ويجلي صورته لأن العلوم لا تأخذ مصداقيتها إلا من تماسك مناهجها، وقد استحق المنهج أن يعرّف بأنه: الطريق المؤدي الى الحقيقة في العلوم بواسطة طائفة من القواعد المهمة التي تهيمن على سير العمل وتحدد عملياته حتى يصل الى نتيجة 
معلومة.
وفي الترجمة، إذ تتعدد اختصاصاتها، يوجد العديد من المناهج الترجمية، من بينها المنهج التأويلي، المستمد من الترجمة الفورية، الذي يعرف أيضاً باسم "نظرية المعنى". إذ هي نظرية  تدعو الى الغوص في المعنى والانعتاق من الغشاء اللغوي وتجنب الحرفية. وبهذا فهي تمنح المترجم فرصة تقمص دور الكاتب الأصلي ليراعي جمالية النص.
يهتم المنهج التأويلي بالمغزى الذي يحدد العلاقة بين هذا المعنى او شخص او فكرة او ظرف او أي شيء آخر يمكن تصوره. فهو، إذن، ربط معنى المؤلف بشيء خارجه، هو المعنى بالنسبة الى شيء ما وليس المعنى في ذلك الشيء. 
من هنا، يلتزم التأويل بالنص والأمانة من جهة، والحرية في الترجمة والتصرف النسبي من جهة أخرى، وبما انه عملية تواصلية بين لغتين لتكوين لغة ثالثة من دون إلغاء المسافة بين الأنا والآخر، فهو يعتمد على عملية الفهم. هو ينجح او يخفق من حيث أنه الكل، وأن الكل هو الهدف النهائي للإقرار.
نشأت هذه النظرية في أواخر الستينات من القرن الماضي على اساس الأبحاث في ترجمة المؤتمرات، توسعت فيما بعد لتشمل الترجمة التحريرية لنصوص غير ادبية وتعليم الترجمة التحريرية والفورية.
تعود النظرية التأويلية لكلا المنظرتين دانكا سلسكوفيتش وماريان توديرار المنتميتين لمدرسة التراجمة والمترجمين بباريس واللتين اطلقتا الارهاصات الأولى لهذه النظرية التي فتحت حلولاً للمترجمين خاصة في الميدان الأدبي.
اعتمدت دانكا سلسكوفيتش على خبرتها الواسعة في ترجمة المؤتمرات في تطوير نظرية اعتمدت على الفرق بين المعنى اللغوي والمعنى غير المنطوق،إذ يتم تعريف ذلك المعنى عن طريق علاقته بالترجمة التحريرية التي تتكون من ثلاث مراحل: تفسير الخطاب، تفكيك الحدث، ثم إعادة صياغته.
اعتمد باحثو مدرسة باريس على علم النفس التجريبي وعلم الأعصاب وعلم النفس الوراثي وأكدوا على العمليات العقلية والادراكية ذات الصلة، وركزوا على طبيعة المعنى الحسي في مقابل المعنى اللغوي أو اللفظي مما نتج عن ذلك نظرية تميز بين التضمين (ما يقصد الكاتب أو المتحدث قوله أو يعنيه) والتصريح (ما يقوله أو يكتبه فعلاً).