ذات مرة!

الصفحة الاخيرة 2021/06/23
...

حسن العاني 
تؤكد الوقائع الملموسة والحقائق التي لا يختلف عليها اثنان، ان العراقيين منذ عام 1958 وحتى عامنا المبارك هذا، لم يعرفوا طعم الراحة ولا السعادة مع انهم تخلصوا من الملكية والاقطاع ونوري السعيد وعاشوا في ظل عهود جمهورية من كل شكل ولون ونوع، ذلك لان حياتهم كانت سلسلة متواصلة من التعب والقهر، لا يكادون يعبرون مشكلة صعبة حتى تكون في انتظارهم مشكلة اصعب، وربما العن، فمن مؤامرات وانقلابات عسكرية ترفع بيان (رقم 1) الى اغتيالات سياسية تبادلتها الحركات القومية والدينية واليسارية والتقدمية والرجعية على حد سواء، ومن حروب خارجية الى حروب طائفية وجوع ودكتاتورية   وغير ذلك من المصائب والويلات كثير مما يشيب له رأس الرضيع.
لهذه الأسباب مجتمعة – والكفيلة بارتفاع مناسيب الحزن والكآبة والانتحار – حدث ذات مرة أن تعرض الشعب العراقي (لأول مرة) الى هزة عنيفة من الفرح لم تصادفه حتى في أحلامه عندما نقلت بعض وسائل الاعلام بشرى من الوزن الثقيل مفادها، ان كل عراقي سيحصل على شقة سكنية او قطعة أرض وعلى قرض للبناء وعلى فرصة عمل، وستكون هناك زيادة مجزية في رواتب الموظفين والمتقاعدين والمشمولين بشبكة الرعاية الاجتماعية، بينما سيحصل العراقيون جميعاً على (24) ساعة ضوء وعلى الماء الصافي، كما تضمنت البشارة فقرة تشير الى أن البطاقة التموينية سوف تستعيد عافيتها ومفرداتها وجودتها، وثمة الكثير من التفاصيل عن بناء آلاف المؤسسات التعليمية والتربوية والصحية... الخ، ومن هنا غصت الشوارع بتظاهرات لها اول وليس لها آخر، وقد أشارت بعض الفضائيات الى تعرض ما يقرب من مئة مواطن الى الاغماء فرحاً.
لم تكن تلك القرارات حلماً مما يراه النائمون، وما كانت أحلام يقظة، بل حقيقة رؤوها بعيونهم وسمعوها بآذانهم، غير ان الناس اكتشفت لاحقاً، ان تلك البشرى جاءت بتوقيت محسوب سياسياً ومتوافق نفسياً مع بدء الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية، وان شيئاً منها لم يتحقق بعد انتهاء (الاعراس البنفسجية)، ومن يومها توقفت الناس عن الاحتفال والتظاهر والفرح، حفاظاً على حناجرها من الهتاف، وعلى صحتها من 
الاغماء.