التسامح جوهر المواطنة العراقية

آراء 2021/06/23
...

  عباس الصباغ
 
اختزل القرآن الكريم جوهر مقاربات التسامح بآية (لا اكراه في الدين) لينطلق منها في وضع اسس التسامح ليس في العقيدة الدينية فقط، بل في عموم مناحي الحياة كالتسامح الاجتماعي والسياسي والشخصي الذي يمسّ التعامل اليومي بين الناس، وثيمة اللا اكراه تعد من اهم الاليات التي يتمركز عليها العقد الاجتماعي ويفعّلها ضمن اطار الدولة المدنية، ويعد مفهوم اللا اكراه منطلقا ليشمل جميع عناصر العقد الاجتماعي المقنّن للعلاقات بين المواطن وبين الدولة (المجتمع السياسي) وبينه وبين اخيه المواطن المشارك في الوطن (المجتمع الاهلي ) من جهة اخرى، ومن دون تفعيل هذه الالية لن تفعّل آليات العقد الاجتماعي وستستحيل الحياة الى غابة، ومنظومة العلاقات بين المواطن وبين المجتمع والدولة الى منظومة خراب قائم على الفوضى التي ستعمّ جميع حيثيات الحياة، لان ثقافة التسامح وتقبّل الآخر لاتقتصر على الجانب الروحي فقط، بل ستشمل الجانب الايديولوجي والفلسفة السياسية التي ينزع اليها الانسان وتحرّم اضطهاده وتصفيته لمجرد اعتناقه لمذهب سياسي او ديني معين، وينسى من يذهب الى احتكار الحقيقة لوحده ولايسمح للآخرين بان يعبّروا عن آرائهم ويصرّحوا عمّا يجول في خَلدهم ان (الدين لله والوطن للجميع )، فهو يريد احتكار الدين والوطن والحقيقة كلها لنفسه حسب مايرتئي مزاجه المريض، فهو يذهب بالاتجاه المعاكس لآليات العقد الاجتماعي القائمة على ركيزة التسامح وتقبّل الاخر التي اشار اليها القرآن الكريم بـ (لا اكراه في الدين) لتكون منطلقا الى الافق الواسع من سلسلة، والا فان سياسة الاجبار والاحتكار للحقيقة ستؤسّس للفوضى الشاملة المقوّضة للتلاحم الوطني والمهدّدة للنسيج المجتمعي، لاسيما المجتمع الفسيفسائي كالمجتمع العراقي المتكون من اثنيات وطوائف واديان مختلفة، ما زالت متعايشة ومتآخية منذ فجر التاريخ على ارض 
لرافدين .
ومن المؤسف له أن ترتفع في الآونة الاخيرة اصوات نشار تغرّد خارج السرب الوطني العراقي والمطالبة بإزالة نصب كتمثال ابي جعفر المنصور مؤسس بغداد، وتجريف مقامات لرموز تاريخية كمرقد الامام الاعظم ابي حنيفة النعمان بن ثابت، وهي رموز يعتزّ بها العراقيون جميعا على اختلاف اثنياتهم ومشاربهم العقائدية والطائفية وحتى السياسية، لدواعٍ طائفية وسياسية مشبوهة وهي دعوات خطيرة استجدّت في المشهد العراقي وغريبة عنه تماما، وهي باطلة ومرفوضة ومستهجنة من اغلب العراقيين، لأنها بعيدة عن اخلاقهم وعن واقع التسامح الوطني الذي يتمتعون به، فجميع الرموز الوطنية والتاريخية هي ارث للعراقيين جميعا، ويجب ان تكون حافزا للتسامح والتآزر الوطني وليس
 العكس.