المَعْلَمُ السلفي في كوميديا الساعدي

ثقافة 2021/06/24
...

 اسماعيل ابراهيم عبد
 
للكاتب عبد الكريم الساعدي قضايا اجتماعية عامة خاصة تحاول بفنيتها نفكيك بنية الرهاب الجديد المتجدد، يمكنني تثبيت بعض ملامحها بـ: (حدث المفارقة، موضوعية قضايا تفتيت بنية الإرهاب، التأثر الكبير بالأدب الاجتماعي.  
لكنه من طرف آخر هو: ينوع التعبير بمستويات لغوية دلالية متعددة، تنتقل من ايقاعية الى انشائية، ثم الى لغوية شعرية، تعول على فهم خاص من حيث السيطرة البلاغية والقواعدية والدلالية، كما أن للبناء السردي عنده ميزة مختلفة من حيث لَمِّ الحدث ومنتجة القول وادراك مضامين ما بعد بث الخطاب القصصي، فهو يتخذ من التعشيق الشعري مناخاً لغوياً دلالياً، عبر التضمين. أيضا ثيمه الفكرية تتجه اتجاهاً فلسفياً وجودياً أخلاقياً نتيجة للظرف الضال في الدولة والمجتمع. كما أن الأًسلوب الفني (زمنياً) يتغير من تصعيد لحظات الحدث الحرجة الى اصطناع الشد بالفبركة والتعتيم على الثيمة ليحظى القص بالإيهام والتهويل وتفخيم حجم الكارثة التي يتوقع حدوثها، والتكتيك الكتابي للحوار ولغة السرد يبنيان تجريدا شعريا سرديا لا نمطيا، وأن لأكثر قصص عبد الكريم الساعدي فهمين، الأول يحيل الى الفرح والثاني يحيل الى الحزن، وقد يجتمعان في فرح غامر مضلل. 
وعندما نتابعه بمجموعته القصصية (كوميديا العالم السفلي) نكتشف عبر المحاور الآتية:      قص الحضور الثقافي: الفن العملي للمتون يبدأ عند تورط الشخوص بهموم مجتمعية، تظهر أمامهم ثقافة (ما) بنمطيها الفني والعملي، انحيازاً لطبقة (ما)، لكن برؤية ثقافية تخص التراث والاضطهاد، فضلا عن الكثير من المضامين الثقافية التي تتناص مع مبثوثات القص الحكيم. انها تمثل تواصلا للجسور الزمنية بين حكمة الشرق والجمال الخاص بجغرافية المكان العراقي الأصل.       
وكذلك التفاعلية: تجربة القاص تكمِّلُ التجارب والتنظيرات التي قام بها القصاصون العراقيون مع خلخلة بعض قوانين السرد كالزمنية والخطية الحدثية.. كما أن التفاعل التواصلي عبر (النت) يجعل تجربة القاص تتبنى جماعية التأليف الورقي، لتتوازى مع الدعوات الشبيهة بها، فضلا عن تفاعل تجربة مع قنوات التواصل الاجتماعي بمواقعها الأدبية والثقافية المنضبطة على وفق حقوق النشر والانتشار والاستثمار الجاد للوسيلة المدغمة بالغاية، وسيلة النت وغاية الكاتب.    
وقوام القص: لقصص عبد الكريم الساعدي قدرة على زحزحة الكثير من اشتراطات الكتابة السردية، اذ ان لها معالجات فنية خاصة، يجريها الكاتب على القصة، فيسبغ عليها تغيرا لا نمطي كوظيفة لعناصر حدث تعدد أغراضه الجمالية، ولتحقيق ذلك يتبع الوسائل الأتية :    
1 ـ لا يترك الوصف يتبعثر فيشد علائق موجودات القص المسهمة في القص فيه بجعلها لغزا وظائفياً بمجموعته (كوميديا العالم السفلي) .  
2 ـ يسيطر على الحوارات ليلزمها بما يسعف الحدث، مثالها قصة امرأة القمر                       (كوميديا، ص 45) .           
4 ـ يتصاعد الروي عنده ليقنع القارئ بأن المصائر التي جاءت بها أقدار القص قطعية، فيما يبقى التحولات مستمرة (لاحقة) لتصل القارئ على انها النهاية فيكتشف عن فخ السرد الأهم (انقلاب توقعات القارئ).    
5 ـ ادارة السرد بحيادية لا تسمح بالافتعال العاطفي، إذ يجد الكاتب نفسه منحازاً للشخوص جميعاً بما فيهم القارئ كشخصية مكملة للذيوع الخبري للحدث، مثلما هي المماهاة في      (1/2 وطن = نصف وطن) من مجموعة (كوميديا العالم السفلي , ص54) .     
5 ـ اللغة التي تصيغ اللقطات السردية تشكل لوحات مفارقة متلاحمة متضافرة في أهدافها، وتصعيدها للأحداث بذات التوتر من البدء حتى المنتهى كما في قصة (رقصة فزع ـ               كوميديا العالم السفلي، ص58). 
التوليف في القص: نرى ان  السر الأساس في نجاح قصص (الساعدي) يعود الى ظاهرة التوليف التي اتبعها القصاص عبد الكريم الساعدي، إذ هي عملية منتجَة من وضعه للحدث ثم مجاورته بآخر والآخر بآخر .. وهكذا ..، ثم اجراء عملية إلحام للمؤثثات المادية تشبه فعل توزيع الديكور الخارجي في المسرح، ثم يدمج المشاهد المقطعة حتى تصير لوحة مقنعة بثيمتها. ومن بين تجاربه المهمة هي تصنيع فرادة في التوليف القصصي، فالمنتجة في قصة (حدث سهوا).. وضعت الطبيب جنب المريض، جنب التقرير الغلط، والكاتب وضع لمسات الديكور بكلمات (يعتذر، و ، آسف، و، أي اسف هذا). ثم يتم دمج الأحداث بأقوال الفاعل الأهم ـ المريض ـ بقوله « لقد هشمت مرايا الحياة» إذ المرايا تعكس المظاهر والتهشم يعكس الدواخل»، وبهذا الدمج تصير اللوحة قطعة واحدة تحكي فلسفة تخص حكم السماء على الأرض بالتغير المطلق للوجود .. وفي قصة آخر المحطات ـ كوميديا العالم السفلي ص62، مثال مناسب لرأينا عن التوليف القصصي. وفي كل عمل ضلالة، وأكثر ضلالات القص احراجاً هي:
1 ـ تكثيف اللغة لدرجة الغموض الشديد .   
2 ـ التوسع في الثراء اللغوي الذي يضيع على القارئ الامساك بالحدث والثيمة البؤرية الأهم. 
3 ـ التضمين الموظف بطريقة تراثية لا تناسب ذائقة ووجدان القارئ.