وسام الموسوي واستقبالات الكتابة الأخرى .. في (ألهو مع الهاوية)

ثقافة 2021/06/27
...

  حميد حسن جعفر
القارئ بمعية الشاعر وسام الموسوي في كتابه الشعري (الهو مع الهاوية) سيكون بعيداً عن الايمان واليقين والقناعات مهما كان انتماؤها للواقع، حيث تتشكل عمليات البث والاستقبال ضمن أفعال الهاوية/ هذا الكائن المنتمي إلى الأفعال الافتراضية، الكائن الذي يحاول الشاعر أن يضعه بمنزلة المستضعف المهام في الوقت ذاته الذي تكون الهاوية ضمن الاحتفاء بوجودها اللاواقعي.
هل كان الشاعر يعمل على تقديم تصور يستغفل الكتابة والقارئ سوية ضمن حالة امتحان للواقع المعيش، حيث يكون الفعل - اللهو-  
والفاعل الضمير المستتر الذي تقديره - أنا-  يأخذان بيد القارئ لا إلى بر الأمان - كما يقال-  بل إلى كم من الافعال والحوادث والوقائع والأشخاص. 
قد أقترحُ على نفسي وعلى سواي نوعا من القراءة، غير التراتبية تبدأ من نقطة البحث عن الهاوية، هذا ما سوف يجده القارئ حيث تتحول الهاوية الى واقع شديد الصلابة، وربما شديد الهشاشة.. فبإمكان القارئ أن يمسكَ بالواقع ويكسره حين يكون صلباً، ويعصره إن كان طرياً، وأن يعقد صداقة معه، إن لم يتمكن منه.
اشكالية الشاعر هنا انه يتعامل/ يلهو/ يشاغل مجموعة أفعال متجددة، أفعال تسلب الإنسان الفرد الأحب اليه والأقرب الى نفسه في الوقت ذاته يكون الإنسان/  الجماعة في تيه مع سواها.
الهاوية في مجموعة مفاهيمها ومعانيها هي الحياة والفقدان وكل ما ينتمي إلى اللعبة التي يتوجب علينا ممارستها، والتي تلهو بنا، تحملنا فنفرح، وتحطنا فنحزن.
القارئ الممتحن بوقائع الكتابة التي يعمل الشاعر على أن تكون ممثلةً لأفكار عامة تتخذ من الحياة وقدراتها على صناعة التعويضات/ البدائل مما يدفع بالإنسان/  القارئ، والمهتم بالحياة القائمة والمتحولة إلى أن يتجاوز الفشل في بحثه عن النجاح.
هل يشكل الطراز البنية الخارجية للعبارة والجملة وكتلة الكتابة للنص، هل يشكل فعلاً موازياً للدواخل؟ قد يعمل الشاعر وبحرقة أو بشيءٍ من التهاون على أن يوفر لهندسة النص ما يمثل جانبا من الروح، من التناقضات، التي تشد القارئ إلى افعال استقبال يوفرُ من خلالها حالةَ احتفاء بالفعل الشعري.
الموسوي يدخل أفعال الاجتهاد في الذهاب إلى أفعالٍ ابداعيةٍ تغير من شكل النص الكتابي الشعري، قد يذهب إلى الفعل السينما/  المونتاج/ المشاهد، وما يمكن أن يقول عنها القارئ اللقطات، افعال وأحداث خاطفة، وعلى كل من الكاتب/  الشاعر أن يحسن الإلمام بها، وذلك على القارئ أن يوفر من جانبه للكتابة الفعلَ اللماحَ، بعيداً عن التفسيرات.
القارئ لا يحب من يلغي تصوراته عبر حالة يفتعلها الشاعر للتغطية على فشلٍ ما، على عدم حسن ادارة شؤون الكتابة، قد يعمل الشاعر على استغفال القارئ الكسول، والقراءة الباهتة الخالية من عدم رضا القارئ ذاته، عدم القناعات مع توفر حاشية من التقبل من الأمور واجبة الحضور، وربما التناقض ما بين المكتوب والمقروء هو الذي يعمل على 
تفعيل الاستقبال، والعمل على إبعاده عن الركون الى الغاء مسؤولية التدوين.
الموسوي في اهدائه الأول (إلى الهاوية التي أحرص على إهانتها باللهو والضحكِ) لم تكن تلك الهاوية الّا ضفة النجاة وشجرة الأمل، ورئة الحياة، والى ولدي آدم العظيم، على القارئ ومن ولوجه الصفحة الخامسة/ الاهداء أن يستقبل سيلاً من الشغف بالهاويةِ، ومن الدعوات إلى الاستهانة بها، بل والدعوة لتدميرها، وفي الوقت ذاته تبدأ الدعوات بالتشكل للمواجهة من جانب والاحتفاء بالإنسان من جانب آخر.
عندما يصل النص إلى الفعل القراءاتي تتوقف الكتابة عن صناعة المتغير، إذ تبدأُ مهمات القارئ في تنشيط ذاكرته محاولة الوصول إلى ما لم يقله الشاعر، بل لما لم يمر بباله لحظة الكتابة، فرغم تآلف طرفي الابداع القراءة والكتابة يتصاعد الصراع والتناقضات، حيث تكشف القراءة عما حاول الشاعر التستر عليه من أصول وجذورٍ واتصالات.
من حق القارئ أن يعيدَ - اللهو-  التكوين الحرفي/  الشكل الخارجي/  الحروفي وما يعنيه إلى - الهاوية-  حروفا ومغامرات، وإن  - اللهو- ما هو الّا الجزء الظاهر/  المخفي من الهاوية، هنا يبدأُ الدسُّ، وعلاقة الانسان/  آدم الابن/ الأخير، وآدم الاب الأول، والصراع الذي يعتمد الاحتواء من جهةٍ، والبحث عن المخلص خارج علاقات العائلة، تلك العلامات التي سوف توفر  صلاتٍ أُخرى  تعتمد التوحدَ مع آخرين لا صلة دم  تربط ما بين الاثنين، بل تتوثق من خلال الأفكار والطموحات وتعدد المصادر، واللجوء الى المختلف، الذي لا بد له من تشكيل مجموعة أفعالٍ حياتية يتمكن من خلالها الشاعر من الوصول إلى كتابة تعتمد الاتقان منهجاً.
ثمان وخمسون نصاً تم تجنيسها بـ - شعر-  قد لا يخلو نص مما ينسبُ للهاوية من لهو واحتفاء ومحاولات الغاءٍ، واتهامات بالشطب والتدمير، بالمقابل عمل - الموسوي-  على عدم الاستسلام من خلال اعتماد ما ينتمي للحياة، لإشكالاتها التي تستقبل الإنسان بالكثير من الحفاوة، لا عوازل، لا مصدات، لا موانع تطلع من الخوف، من المجهول، حيث الجوانب/  العتمة/  المخفية من تشكيلات الإنسان والطبيعة.
الفضاء المفتوح يمنح الشاعر فرصة الذهاب الى المختلف، الى الابتكار، الى عدم الانصياع للقناعات التي تركها من ورائهم السابقون، والذين حرثوا في الأرض البكر، سواء من فشلَ منهم او من نجحَ.
فـ (لهو مع الهاوية) سيستقبل القارئ ما يشكل فعلاً كتابياً غير معني بالركون إلى المتوفر من الأفكار وطرق الوصول الى القصيدة، لذلك سوف نجد الشاعر يتخذ من شكل القصيدة ما يمكنه من أن يقول بعض ما يريد، حيث تكون بنيةُ القصيدةِ وشكلها وطرازها وعاءً للصوت الشعري الذي يطمح في تحقيق افعالٍ تنتمي للدهشة أو الصدمة، أو ما لا يمكن أن يتوقعه القارئ.
إن كسب القارئ العادي أو الاعتيادي لا يمثل مكسبا للشعر أو للشعراء، بل من مهمات الفعل الكتابي هي البحث عن الاستثناء، هذا البحث الذي سيجد الشاعر نفسه في حيرة من أمره، يتخلى عمن، ويتشبث بمن، والكتابة ذاتها لم تعد تشكل هماً للكثيرين، رغم أهميتها ودورها في توفير رؤية حياتيةٍ تنتمي الى النضال او الجهاد او الكفاح، وكل ما ينتمي الى الثورة، حيث كان الشعراء والروائيون يمثلون الخط الأول/ الأمامي لصد محاولات 
تحويل  الانسان الى آلةٍ سواءً في المزرعة او المصنع، وإذا من استحضرنا نصف المجتمع، وأعني المرأة، هذا الكائن  الذي يطمح في التغيير، تطمح العديد من السلطات المجتمعية إلى إلغائها عبر تحويلها  لكائن  منتج للمتعة واللذة، والى مصنع للأطفال الذين سيكونون في يومٍ ما حطباً للحروب.