التعريف الثقافي

ثقافة 2021/06/28
...

علي حسن الفواز
 
ليس بالضرورة أن يكون المثقف بطلا، او ثائرا لكي يكون مكشوفا واستعراضيا في مشهد العرض الثقافي، أو في سياق صناعة البروبغندا الثقافية، لأنّ تلك الضرورة باتت خاضعة لمعايير أخرى، ولتوصيفات تغيرت معها كثير من المفاهيم والأفكار والمواقف، إذ بات الأمر 
محفوفا بتوصيفات ووظائف وأدوار أكثر صعوبة، وأكثر مدعاة للمهنية والعقلانية، إذ لا يتطلب ذلك 
سوى أن يملك المثقف وعياً متعاليا لوجوده، وأن يكون واقعيا ونقديا في حضوره وفي علاقاته، وفي 
فاعلية صناعته للأسئلة، وفي قدرته على التفاعل والتواصل، وفي حيازة أدوات وآليات تمنحه أهلية الحوار مع المختلف والمتعدد، على مستوى الانتاج الثقافي، 
وعلى مستوى توظيف هذا الانتاج في الحياة والواقع والإبداع.
حديثنا عن «صورة» المثقف، لا تعني العودة الى التعريفات القديمة، ولا حتى الى إجراء مقارنة، لأننا سنكون أمام انحيازٍ ما، وأمام صورة معيارية لكائن، قد لا يكون له وجود في الواقع، فالمثقف كائن يتشكل وينمو ويختلف، لكن أهميته تكمن في «خصوصيته» وفي فاعليته، وفي دوره على التغيير استجابة لمقتضيات الحال، وعلى الاستئناف الدائم للأسئلة، إذ لا ثقافة من دون أسئلة، ولا حيوية من 
دون مواجهة، ولا ثبات من دون النظر الى المستقبل، فمثقف الماضي، مهما كان يظل جزءا من ذلك الماضي، 
ومن استحقاقاته وظروفه، وهذا مايجعل الحاجة القارّة الى مثقف المستقبل هي ذاتها الحاجة الى فاعليات «المثقف العضوي» و«المثقف القائد» و«المثقف الجمالي» لأن كلّ هذه التوصيفات تحتاج الى القوة 
الخلاقة، والى الالتزام والأنسنة والتجديد، مثلما تحتاج الى المسؤولية والى الرصانة العلمية والمعرفية، وهي أسس وممكنات تدفع بالمثقف الى الأمام، وتدفع بـ «الصناعة الثقافية» 
الى ان تكون جوهر الصناعات الثقيلة التي 
نحتاجها للتنمية والحماية، وللتقدم وللحداثة والتنوير ولمواجهة كل مظاهر الجمود والانغلاق والعزل العقلي والمعرفي، والتي هي مغذيات مظاهر العنف والكراهية والارهاب..
سنسعى في عمودنا هذا للتعريف بأهمية الثقافي في مواجهة الحاجة الى التنمية الشاملة، أي تنمية الانسان والنص والبنية والعقل والمدرسة والمؤسسة والنظام، 
وأظنّ أن هذه الاستحقاقات هي الاساس الذي ينبني عليه معمار المجتمعات، وسياقات الحداثة والحضارة، وأسس التحول لترسيخ قيم العدل الاجتماعي والسلم الأهلي والقبول الحقيقي بالآخر في نصه وفي موقفه وفي حريته...