الحاجة إلى الحُب

ثقافة 2021/06/29
...

ابتهال بليبل 
 
هل المرأة حقا بحاجة ماسة إلى الحُب لتتوافق مع تصوراتها الطبيعية في تحقيق ذاتها أو في الحصول على معنى محدّد لهويتها العاطفية؟، ثمّ أليس الحصول على هذه الهوية يدفعها دوماً للبحث عن تعريف لها من خلال الرجل؟. 
الحقيقة أن النساء لم يخترن كل هذا الانشغال في الحُب. لكن ثقافة المجتمع تجبرهن على ذلك، ليس لأن (وراء كل رجل امرأة) كما يقال.
بل لكثير من المفاهيم التي تروّج لذلك، راقب مثلا شعورهن بالاطمئنان عندما ينتهي الحُب بالزواج رغم اكتشافهن أن الحُب شيء والزواج شيء آخر.
فمن المألوف والشائع جداً أن نسمع الرجل وهو يلعن لحظة ارتباطه بحبيبته السابقة (زوجته الحالية) ويسهب ويبالغ في شعوره بالندم الذي لم يعلنه بصوت عال ولا حتى يصرح به لنفسه: إنه مثقل بالتذمر، وأن زوجته (حبيبته) بالكاد تستطيع فهمه. لم يعد الحب موجوداً أو مرئياً، وتبيّن أن حلم الشراكة في ما بينهما (غلطة) ارتكبها الرجل أو المرأة لا فرق، وأن ما تبقى بينهما الواقع الذي يعني مجرد زواج تقليدي.  
ربما هما لم يتعمدا قتل الحُب، ولكن الزواج أو العيش معا يمنح رؤيا عميقة عن طبيعة المشاركة الحياتية الواقعية لم نكن نراها مسبقا.
عندما أصرت احداهن على رفض فكرة الحُب لغرض الزواج، كانت التلميحات عن وجود محنة ما مثل الخيانة، أي فقدان الأمان العاطفي وتقليدياً، جذور هذا النوع من التلميحات يعود إلى ثقافة المجتمع الذكوري التي ترى حتمية في تبعية المرأة للرجل في كل شيء حتى في الحُب.
لقد فهمت من كتاب الدياليكتية الجنسية لشولميت فايرستون أن (المجتمع يعرف الأمان الاقتصادي الطبقي للمرأة بقدرتها على «ربط» رجل ما: وهذا غير صالح لمناخ الحُب ولكنه مفروض عليه). وأنا أقول الشيء نفسه عن إمكانية أن يكون الحُب مدخلا لاضطهاد المرأة إن لم يتطلب ضعفاً من المرأة مقابل بقاء الرجل معها.
وعندما نحاول أن نفكك التداخل والاشتباك الحاصل بين الأمان العاطفي والأمان الاقتصادي، يتضح لنا أن المفاهيم المتعلقة بالحب هشة وتنهار بسرعة تجاه ثقافة المجتمع.. فكثيرات يسعين للارتباط والزواج برجل متمكن مادياً، حتى لو تحولت حياتهن الزوجية إلى جحيم لا يطاق بسبب غياب الحب فهنّ يجدن الاكتفاء المادي هو الأساس. لأن المجتمع ببساطة يربط الأمان العاطفي بالأمان الاقتصادي وكلاهما من مهام الرجل واقعياً رغم وجود بعض
الاستثناءات. 
إن الكتابة عن اشتباك الأمان العاطفي بالأمان الاقتصادي هي محاولة للفت الانتباه إلى المحن والمآسي في تجارب النساء مع الحب والزواج. لأن الأمر حقيقة يتطلب أن تفهم المرأة دورها فهماً عميقا قبل أن تخوض تجربة لا يكتب لها إلا الفشل - هذا الفشل- الذي قد يكون داخلها ولا تظهره للآخرين فتجدها تتصرف كما لو أنها امرأة ثانية لا تشبه أفكارها ولا أحلامها.. وهذا ما يعني أيضا معرفة أين تقع محنتها وكيف تتعامل مع ألمها، ورغباتها.