ازدهار مشهد فن الكرتون الافريقي

ثقافة 2021/06/29
...

 فيفان نونس وسارة ترينور
 
 ترجمة: مي اسماعيل  
 
كان رسام فن الرسوم المتحركة (الكرتون) النايجيري «رضوان مشهود» عازما على تعلم ذلك الفن، فقضى ساعات طوال في مقاهي الانترنت بالعاصمة لاغوس؛ يراقب أفلاما تعليمية في يوتيوب ويكتب ملاحظاته عنها. اليوم بات الفنان ذو الستة وعشرين عاما نجما صاعدا في المشهد المزدهر لفن الرسوم المتحركة الأفريقي.
نال رضوان منذ عامين اعتراف «مختبر كرتون نتوورك أفريقيا الإبداعي-Cartoon Network Africa Creative Lab» عن عمله «فتى القمامة وصفيحة الأزبال-Garbage Boy and Trash Can». ولا بد أن الأمر بدا كالانتقام اللذيذ؛ إذ استوحى عمله من تجربة سلبية عاشها في المدرسة الثانوية؛ تضمنت صفيحة أزبال وطلابا متنمرين من المدرسة.  يقول رضوان: بطل «فتى القمامة» هو في الأساس أنا؛ إذ تعرضت للتنمر وأطلقت علي أسماء مؤذية. قررت أن اصمم شخصية فتى القمامة لتكون مصدر أمل وتسامح، ولأقول لآخرين تعرضوا للتنمر أن تلك النعوت لا تحدد هويتهم . أسس رضوان منذ ذلك الحين شركة انتاج وهو يأمل الحصول على تكليف لتقديم فكرته الجديدة «تحت قلنسوتي-In My Hood» بصيغة مسلسل تدور أحداثه في لاغوس. 
 
مواهب ذاتية التعليم
للمفارقة لم تكن رحلة رضوان الى فن الكرتون بالمتفردة؛ كما يقول «نيك ويلسون»  مؤسس «شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية-African Animation Network» ومقرها في جوهانسبورغ: «نرى مثل هذه القصص في أرجاء القارة». يقدم ويلسون قائمة لدول أفريقية بدأ رسامو أفلام الكرتون المحليون يضعون بصماتهم فيها: نيجيريا، غانا، كينيا، أوغندا، مصر، جنوب أفريقيا، موزمبيق، وبوركينا فاسو. ويمضي قائلا: «حيثما كان باستطاعتنا خدش السطح والارتباط بالمجتمع؛ وجدنا مواهب استثنائية؛ وأغلبية تلك المواهب من العصاميين ذاتيي التعلم». لكنه يرى أنه رغم أن قصص الفنانين ذاتيو التعلم الذين دخلوا مجال الكرتون ملهمة؛ فلا تزال هناك حاجة لتطوير فرص أكثر للتعلم النظامي. «دو دي دايغا» رسام كرتون كاميروني يعيش في بوركينا فاسو، وهو مسؤول عن التطوير والمهارات في «شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية». يقول: كشفت لي خبرتي في صناعة أفلام الكرتون وجود مجموعة هائلة من العقول الشابة والموهوبة والمبدعة التي لن تظهر للعالم أبدا؛ والمشكلة الوحيدة التي تبقي أفريقيا الى الخلف هي غياب التدريب. مؤخرا جرى الاعلان عن شراكات مع ستوديوهات عالمية لصناعة الكرتون؛ منها- «توونز ميديا غروب» و«بابوون أنيميشن»، وكلا الشركتين تخططان لإنشاء أكاديميات لصناعة أفلام الكرتون في أفريقيا، لتضاف الى الحفنة القليلة منها الموجودة حاليا. 
 
انتاج أفريقي
بالرغم من شحة فرص التعلم النظامي؛ هناك بعض الانتاجات المحلية التي بدأت تحقق انتشارا ملحوظا. تمكن «كريس مورغان» من شركة «فاندي فيلم» من الاعتماد على مجموعة من المواهب الافريقية في إنتاجه الأخير «عالمي الأفضل-My Better World»؛ وهو مسلسل تعليمي موجه لأطفال المدارس الأفارقة والمراهقين، نفذته مجموعة من المبدعين الذين يعملون عن بُعد من أرجاء القارة. يقول مورغان: لدينا نحو مئة مُنتِج يعملون من سبع دول مختلفة، وهذا كان قبل انتشار جائحة كوفيد- 19. 
والنتيجة: مسلسل من 55 حلقة لأفلام صور متحركة قصيرة متوفرة باللغات الانكليزية والسواحيلية والهاوسا والصومالية. تعيش الشخصيات في كل حلقة مواقف معقدة؛ مثل التفاوض بشأن الزواج المبكر؛ ولكن بأسلوب حيوي وسهل الوصول. وفضلا عن الكرتون تقدم كل حلقة مقابلة مع شخصية متميزة؛ مثل أول سيدة أفريقية قائدة طائرة. سرعان ما أصبح مسلسل «عالمي الأفضل» حين عرضه في كينيا أوائل العام الماضي برنامج الأطفال التلفزيوني الأعلى تصنيفا، وترشح وحاز جائزة مهرجان «آنسي الدولي»؛ وهو أحد أهم المنافسات العالمية لأفلام الرسوم المتحركة. 
 
قصص صعبة تروى ببساطة
لا تقتصر جميع أعمال الرسوم المتحركة في أفريقيا على تلك الموجهة للصغار؛ إذ استخدمت الفنانة ورسامة الكرتون «نجيندو موكي» المقيمة في نايروبي هذا الوسيط لرواية قصص تنطوي على تحديات ومواجهات في بعض الأحيان. كان من أشهر أفلامها «الحمى الصفراء»، الذي يتعرض لاستخدام النساء الأفريقيات لمستحضرات تفتيح البشرة. 
تقول موكي: «أردت النظر للطريقة التي تستخدم بها النساء تلك المستحضرات في كينيا، وماهية الجمال من منظورهن.. أردت معرفة السبب..». قدمت موكي أيضا مواضيع مثل الهجرة وتهريب البشر؛ وهي تعد فن الكرتون الوسيلة المثالية لمقاربة المواضيع الحساسة والصعبة؛ خاصة إذا عرضت فيها حالات واقعية، قائلة: يسمح الكرتون للناس أن يكونوا مجهولين ويترك مسافة بينهم وبين ما يقولون، وكيف سيفهمه المتلقي. كما لا يُشعِر الناس «بهجوم» القضية التي نناقشها؛ لذا يمكن معالجتها بشكل أفضل. نالت أعمال موكي عدة جوائز دولية؛ من ضمنها «أفضل فيلم كرتون قصير» في مهرجان شيكاغو الدولي للأفلام عن فيلم «الحمى الصفراء» عام 2013. 
 
كورونا تحفز الطلب
بينما يفوز فنانو أفارقة أكثر بالثناء المهني؛ باتت ستوديوهات الفن الدولية أكثر انتباها لتلك الصناعة الناهضة في القارة. ففي العام الماضي اشترت «نيتفلكس» أول أفلام الكرتون الأفريقية: «فريق ماما ك- 4»؛ ويدور حول أربع فتيات مراهقات في لوساكا- زامبيا. كما عمدت شركات اجنبية مثل «بكسار» لتوظيف فناني كرتون يعملون من أفريقيا لإدارة خدمات انتاجية لمؤسساتهم. في الواقع تزدهر السوق الدولية للمحتوى الكرتوني؛ وفقا لقول «روب سالكويتز» مراسل هوليوود للترفيه في مؤسسة فوربس: «هناك طلب متزايد للمحتوى الكرتوني اليوم، وقد كان كذلك حتى قبل الجائحة؛ لأن شبكات البث متعطشة فعليا لمحتوى جديد، والكرتون طريقة رائعة لاستقطاب الجمهور من جميع الأعمار». ويمضي شارحا أن الطلب ازداد خلال فترة الجائحة، لتراجع الانتاج المباشر عند إغلاق المؤسسات الانتاجية أو تحديد عمل موظفيها بالتباعد الاجتماعي، قائلا: «نرى اليوم تفاعلات تأثير الجائحة». وبينما لم يعد باستطاعة المعلنين ومنتجي الفيديو الآخرين التصوير موقعيا؛ اتجه الآخرون الى الرسوم المتحركة لملء الفراغ؛ كما يقول سالكويتز: «هذا قدم طلبا شديدا في الوسط الإنتاجي؛ لأن ستوديوهات الكرتون المحترفة باتت تتلقى فجأة طلبات لا يمكنها رفضها، من زبائن آخرين غير تقليديين». 
 
على حافة الانطلاق
بينما ينضم رسامو كرتون جدد الى المهنة في أفريقيا؛ يواجه كثيرون منهم عقبة صعوبة وضع منتجهم على الشاشات المحلية؛ فمن الأرخص ثمنا استيراد أفلام جاهزة من الخارج بدلا من تمويل انتاجات أصلية. تأمل «شبكة الرسوم المتحركة الأفريقية» التغلب على هذه العقبة بإطلاق قناتها التلفازية الخاصة قريبا؛ إذا استطاعت استقطاب التمويل اللازم، وهم في مرحلة البث التجريبي. 
يقول ويلسون: «لا يتحمس أصحاب الشبكات للاستثمار في الصناعة المحلية؛ لأن باستطاعتهم جني الأرباح من المحتوى الأجنبي الرخيص فعليا؛ لكننا على حافة التحول الى صناعة مزدهرة ومستدامة». 
بي بي سي البريطانية