حسين رشيد
وما زال الحديث عن ثورة العشرين فيه الكثير من الالتباس والتحيز الهوياتي، قرن وعام مر على تأسيس الدولة العراقية الحديثة، وتنصيب الملك فيصل بموافقة بريطانية، بعد أخذ البيعة من المراجع الدينية في النجف وكربلاء وشيوخ العشائر وبعض الزعماء المجتمعين.
منذ يوم التنصيب الملكي وبذرة التفريق تنمو، والاضطهاد الطبقي يتزايد، حياة مدنية مقتصرة على بيوتات وأسر في عدد من المدن، وحياة فقر وعوز في عامة المدن الاخرى، ما دفع الى تاسيس احزاب وطنية عراقية تحمل هموم الناس وتدافع عن المشروع الوطني الجامع للمكونات العراقية، التي لم يكن عمومها مستبشرا بالخير كما كان خصوصها المقرب من السلطة والحاشية الملكية والعيش الرغيد الذي ينعم به.
لم تخلُ سنة من الحكم الملكي الا وكانت هناك تظاهرات، معارضة، انتفاضة، كان بعضها يقمع واخر تتم معالجته بطرق ليست بعيدة عن القمع، والذي بسببه تزايدات محاولات تغير السلطة الملكية وتبديل الحكومات، حتى وصل الى رقم قياسي ما يوحي بوجود رفض تام للملكية، واخذ الوعي السياسي ينمو في الاوساط كافة، مع نمو وتزايد قوى المعارضة الوطنية، حتى تكلل ذلك بثورة 14 تموز، التي أوقفت عمر السلطة الملكية عند 37 عاما، خمس سنوات من عمر الثورة قدمت فيها ما عجزت عقود الحكم الملكي من تحقيقه، ما دفع كل القوى الصديقة والحليفة مع النظام الملكي للتآمر على الثورة ودعم قوى انقلاب 8 شباط الاسود 1963 وصراع قواه البعثية والقومية على السلطة حتى 1969 وسيطرة البعث بلبه، وقشره القومي الديني والذي استمر 40 عاما، ذاق فيه العراق مر الويلات والبطش خاصة بعد انفراد البعث بالسلطة 1979 وتسلم صدام مقاليد الحكم، وهي الفترة الاكثر دموية وعنفا وديكتاتورية وقمعا، لكل معارض ومخالف لتوجهات السلطة البعثية، لتبقى عقود تأسيس الدولة العراقية الحديثة مرهقة بالاحداث السياسة والامراض الهوياتي المزمنة، 8 عقود وسنين عدة لم تستقر مفاصل الدولة العراقية، وان حدث ذلك فهي لمدة قد تكون وجيزة جدا لسنة او شهور عدة، طوال عمر الدولة المشكلة بعد ثورة العشرين والصراعات تدخل في كل حيز ومفصل، والاختلافات تتغذى من كل حد وصوب، نصف العقود الثامنة ملكية وصراعات طبقية ولدت الجمهورية الاولى، والنصف الاخرى منها صراعات سياسية وايديولوجية وحزبية، انتهت بتفرد بعثي وسلطة اهلكت البلاد بالحروب والعقوبات الدولية والحصار، ما دعا الى تشكيل معارضة عراقية في المنفى دخلت البلاد بعد سقوط مروع لنظام البعث في نيسان 2003 وسنين جديدة من كل ما حدث في العقود الثمانية من عمر الدولة العراقية، سنين ملتبسة بالاحداث والمتغيرات التي افضت الى جملة صراعات قد تكون غطاء للصراع الاهم والمتمثل بالطبقي، الذي أخذ ينمو مع تزايد مضطرد باعداد الفقراء يقابله تزايد اعداد الاثرياء والمترفين وانعدام كل معايير ومقاسات العدالة الاجتماعية، اتمت سنوات التغيير النيساني عمر الدولة العراقية ليصل الى مئة عام وعام، لكن ما زال الكثير من ملامح تاسيس الدولة في يومها الاول قائما من دون أن تتوضح صورة تشكل اسس ومفاصل دولة بحد ذاتها.