قصص الفلاسفة

آراء 2021/07/03
...

 رفيف الشيخلي
لماذا من النادر أن نجد روايات تتحدث عن الفلاسفة؟ ربما أن الكاتب المصري يوسف زيدان وحده من فعل أو أني لم أصادف غيره. إلا كان يمكن أن ندخل بعض الروايات الفنتازية التي تتخيل أمورا لن تحدث كرواية «أبو حيان في طنجة» للكاتب المغربي بهاء الدين الطود. والتي تصور لنا الأحداث الطريفة التي يمكن أن تقع لو أن أبو حيان عاد ليعيش في هذا الزمن. 
 
وفي المقابل، نجد روايات وأفلاما عديدة تتناول شخصيات تاريخية. سواء كانت سياسية أو دينية. لكن، أليس الفلاسفة لهم أيضا تأثير كبير في حياتنا، كما السياسيون ورجال الدين؟ كل التوجهات السياسية كانت بسبب أفكار فلسفية الشيوعية، الرأسمالية، بل إننا نجد ذلك واضحا في شعاراتها فما الذي يمنع من تناول حياة فيلسوف ما بشكل أدبي، أو فني «مثل فيلم المصير ليوسف شاهين مثلا» يساعدنا على فهم أفكاره، حياته، ما الظروف التي مر بها وجعلته يفكر بتلك الطريقة بمن تأثر والتأثر يكون بالإيجاب والسلب أيضا من الذين حاول أن يختلف عنهم، أن يبين لهم خطأهم والكل يعرف الخصام بين يونغ وفرويد مثلا في مجال التحليل النفسي. 
هناك الكثير من الفلاسفة الذين نسمع عنهم نردد أفكارهم ومن دون أن نعي نجدهم متداخلين في حيواتنا وأفكارنا أفلاطون مثلا عدا القصص العديدة للكثير من الفلاسفة، التي تصلح بشكل قوي لأن تكون أعمالا أدبية نيتشه مثلا، تربيته، علاقته بأخته، وحبه للو سالومي سورين كيركغارد، وقصته العاطفية المثيرة مع خطيبته، وأفكاره الفلسفية. جلال الدين الرومي الذي صار في الآونة الأخيرة حديث الكثير من الناس ويرددون عباراته هل نعرف كيف عاش؟ ما الذي جعله 
متصوفا؟. 
فكرت بهذا السؤال وأنا أقرأ كتابي «نظرية العدالة عند جون رولز» و«جون رولز والتراث الليبرالي» للدكتور المغربي محمد هاشمي. فالكاتب، لا يشرح أفكار الفيلسوف فقط. بل يخبرنا ببعض الأمور عن حياته، عن انشغاله بالفكر الثيولوجي قبل أن يكتب «نظرية العدالة». ونحن نجد ذلك واضحا في الكتابين تأثير أخلاق الدين، فكل الأديان ركزت على التعامل الحسن، على الإحسان، على الاحترام ومساندة الآخر وهي صفات، حتى لو كنا غير متدينين، لا يمكن إلا أن نحترمها، ونؤكد ان تواصف الناس بها من الأمور الإيجابية التي تساعد في بناء علاقات سليمة. ثم نجد في نهاية كتاب «نظرية العدالة عند جون رولز» ان الكاتب محمد هاشمي، يلحق حوارا للفيلسوف الأميركي، يتناول فيه عدة أمور من حياته الشخصية، فنعرف مثلا أنه شارك في الحرب أيام شبابه وصادف موت أحد زملائه، فقط لأنه تم اختياره هو وليس جون رولز. 
وتأثير ذلك عليه وصدمته من ما تعرضت له مدينتا هيروشيما وناكازاكي ثم دراسته للفلسفة. أما في كتاب «جون رولز والتراث الليبرالي» فالكاتب محمد هاشمي، يعرفنا على الفلاسفة الذين تأثر بهم جون رولز سواء بشكل واضح أم العكس ومن كان يتفق معهم او يختلف، بل إنه «محمد هاشمي» يشرح بتجاوز فعل شرح الأفكار للقراء، إلى الحديث عن حياة بعضهم وبمن تأثروا والظروف التي مروا بها، والأشخاص الذين درسوا 
عندهم. 
كل ذلك يعني أمرا مهما. إن الفيلسوف أيا كان هو إنسان قبل كل شيء يتأثر ويعاني ويفكر ويغضب الفرق، إنه حاول من كل هذا الخليط أن ينتج فكرا كي يحلل الأمور ويصلحها جون رولز مثلا، يحاول أن يبني مجتمعا مبنيا على الحرية، احترام الآخر، مهما كان، وإن المجتمعات لا تتقدم إلا بالتعاون وفصل الدين عن السياسة.لكن ألا يمكن تطبيق الأمر نفسه على الكاتب محمد هاشمي؟. لماذا اختار جون رولز؟ ولماذا عرفنا بالفلاسفة الذين تأثر بهم؟ وحياتهم؟ يمكن فهم ذلك من عدة جوانب بل حتى الأسلوب واضح غير متعال ولا تعالم فيه لا شيء يمنع حتى من لا معرفة له بالموضوع أنه يقرأ ويفهم. وهو، أيضا، ما يمكن تأويله.