الخيبة العراقية في الذكرى المئوية

العراق 2021/07/05
...

ابراهيم العبادي
 
احتفل الصينيون هذا العام بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وفي الذكرى وقف الزعيم الصيني شي جي بينغ ليتحدث عن المأثرة الكبرى التي حققوها، فكان يحق له التفاخر بنموذج فريد في التنظيم والسياسة والمركزية والاشتراكية والرأسمالية، حققت اكبر معجزات القرن العشرين، ونقلت الصين من بلد فقير الى بلد يناطح الاقوياء ليرث زعامتهم على العالم.
الفضل في ذلك يعود الى الزعيم السابق للحزب دينغ كسياو بينغ (1904 - 1997) الذي فتح الاقفال الماوية التي احاطت بعقل الصين، ومنعت حكمتها السياسية والحياتية من الانطلاق.
اربعون  عاما من الانفتاح والاصلاح الذي خطه الزعيم بينغ كانت كافية لتقدم اضخم تجارب التاريخ في التحديث والنمو الاقتصادي السريع،  ومكافحة الفقر وبناء الدولة العظمى بلا شعارات كبيرة.
السؤال الخطير ماذا لو لم يجترح دينغ كسياو بنغ الفكرة  الجديدة، وظل وفيا  لشعارات ماو البليدة وسياساته التجويعية وهرطقاته الفكرية وثورته  الثقافية،  التي كادت تقتل الحكمة في بلاد التنين الاصفر. 
قضى  الصينيون  ستين  عاما من المئة الشيوعية يكدحون قافزين قفزاتهم الماوية الكبرى من الارياف الى المدن  بلا جدوى سوى الامساك بالسلطة،  بينما حققت الاربعون  عاما التي تلتها تجديدا وتغييرا عجز  عنه جيل ماو الذي عاش عالم الافكار متشبعا بها، متجاهلا عالم الواقع وتحدياته ومخاطره التي احتاجت الى عقل جريئ قارئ لوح الواقع وليس متشبعا بعالم المثل الافلاطونية.
نحن في العراق احتفلنا بالذكرى الواحدة بعد المئة لثورة العشرين الوطنية، وانقسمنا بين عقل محافظ، واخر  مستنير،  يدعو الى فتح كتاب العشرين بعقل ناقد ليكشف عن عيوب العقل السياسي المأزوم في العراق، والذي يرفض مناقشة بديهياته السياسية ومنطلقاته الفكرية والقيمية، انطلق الصينيون يحملون فكر اليسار الماركسي قبل ان يغلفوه بلمسة وطنية ماوية، ثم مالبثوا ان احتفظوا بفكرهم السياسي اليساري مطعمين اياه بمنهج  اقتصادي (رأسمالي) مخالف تماما للفكر الاشتراكي الذي انطلقت منه اهداف حزبهم الشيوعي. 
عقلنا المحافظ ظل يدور حول العشرين، متفاخرا بزعامتها المتمثلة بالمرجعية الدينية وقادتها من شيوخ العشائر الاباة، ووقودها فلاحو الوسط والجنوب العراقي واطراف الفرات الغربية، قرضنا الكثير من الشعر ودبجنا مقالات غنائية تبجيلية وتفاخرنا بمشاعرنا الثورية وقيمنا الدينية والوطنية، وماذا بعد؟ لم يسأل كثيرون عن: ماذا حققت الثورة؟واين اخفقت؟ واي ميراث فكري وسياسي تركت للاجيال اللاحقة؟ بل ان سدنة التراث المهيمن والسلطة الرمزية يمنعون فتح كتاب الثورة لقراءة متجددة وبقطيعة معرفية مع الفكر السائد عنها.
 ينبغي ان يتحول النقاش عن وليد الثورة الذي عاش عليلا الى فكرة ذات اولوية جماهيرية عامة، واعني بالوليد الدولة الوطنية التي شاخت بالمئة عام ولم تتحقق من جرائها نهضة، ولم تستقر مؤسسة ولافكرة وطنية جامعة، وأجيالها يتحسرون على النظام والمؤسسات والقانون والعدالة بحدها الادنى ولايطمحون بقفزات عظمى ولا تحولات كبرى، بل صارت احلامهم اقل من ذلك بكثير، صار همهم ان يحصلوا على كهرباء في زمن الحر والنفط الفائض والغاز المحروق، ويتوسلون الشركات الصينية لتصنع لهم معجزة خدمية صغيرة.