الغناء باللهجة المصرية تذوقٌ آخر للجمال

الصفحة الاخيرة 2021/07/05
...

 بغداد: قاسم موزان
انسابت دفقات اللهجة المصرية الشفيفة ونفذت الى ذائقة الجمهور العربي بكل سهولة ويسر، لرقة وتنوع مفرداتها فهي الأقرب الى الوجدان لما تختزنه من جمال في المعنى والوصف وتعبر عن المكنون النفسي والعاطفي المسكوت عنه، لهجة ثرية ومرنة غير معقدة التراكيب ومموسقة، بالرغم من انقلاب بعض الحروف الى شكل آخر في اللفظ.
 مثل حرف القاف يتحول إلى حرف الألف، ويتغير حرف الذال إلى زاي والجيم إلى كاف أعجمية. الا أن هذا لم يؤثر في تقبل اللهجة خصوصا في الغناء، الذي نجح صناع الفنون في مصر إلى تسويق اللهجة إلى العالم العربي، من خلال غناء المطربين باللهجة العامية المصرية. 
فقد كتبت مفردات الاغاني بأسلوب فني راق، تنم عن وعي الكاتب وصدقه في التعبير عن مشاعره ومشاعرنا مع ألحان آنية تتواءم مع رقة الكلمات، فضلا عن كورال موسيقي متمكن من أدواته الفنية وعازفين مرموقين مع آلات موسيقية، تحدث نفسها في كل حين استجابة للمتغيرات
الفنية.
 لا شك أن السينما المصرية التي بدأت فعليا في الربع الأول من القرن الماضي، قد أسهمت جديا في انتشار الاغاني باللهجة المصرية على نطاق واسع، عندما نطقت السينما المصرية بعد صمت سنوات، فقد أنتج اول فيلم غنائي بعنوان «أنشودة الفؤاد» بطولة المطربة نادرة أمين والممثل جورج ابيض وعرض في 4 نيسان من العام 1932. 
اما ثاني الافلام الغنائية كان من نصيب الموسيقار في اطلالة فيلم «الوردة البيضاء» في العام 1933 وغنى اجمل أغانيه مثل «ضحيت غرامي ياوردة الحب الصافي» مع أغان أخرى. ونجح الفيلم نجاحا باهرا ما شجع عبد الوهاب إلى المضي في إنتاج افلام غنائية أخرى، ثم دخلت كوكب الشرق أم كلثوم على الخط والمطرب والملحن فريد الاطرش وليلى مراد معترك الافلام الغنائية بتفوق عال، وتوالت الافلام الغنائية لمطربين آخرين مثل محمد فوزي وعبد الحليم حافظ ومحرم فؤاد وفائزة احمد ونجاة الصغيرة، وغيرهم الكثير من لم يمثل في السينما، وهذا ما عزز من ترسيخ اللهجة المصرية في الاذهان والتعامل معها في أحيان كثيرة.
كثير من اهل الغناء في العالم العربي يسلك طريق القاهرة ليغني من هناك بكلمات مصرية رشيقة، ليضمن انتشاره وشهرته وتتسع مساحة قبوله. ونجح البعض وأخفق البعض الآخر، لأن مصر في حقيقة الأمر فلتر للمواهب الغنائية وليس كل كاتب معروف يعطي عصارة احاسيسه لمطرب شبه
مغمور. 
وماذا يمكن أن يضيف إلى رصيده الشخصي، الكاتب والموسيقي والملحن حريص على اسمه. السؤال ماذا لو جاءت الاغاني من لهجات أخرى وأغلبها صعبة في الفهم. هل يكتب لها النجاح والانتشار مثل ما كتب باللهجة المصرية من رقي وتذوق؟ سؤال يحتاج إلى وقفة فنية محايدة.