الغواية القاتلة وشاعريَّة السرد في قصيدة (أغنية الحورية) لمارغريت اوتود

ثقافة 2021/07/06
...

 محمد تركي النصار
 
يستطيع الشعر أن يكون الوسيلة الأكثر براعة في استخدام الكلمات للتعبير عن قصة أو حكاية. والشعراء المهرة بإمكانهم أن يشحنوا المفردات بمضامين تستخدم بناء القصيدة ونحوها وثيمتها أيضا في التعبير عن هذه القصة.
الروائية والشاعرة الكندية مارغريت اوتود في (أغنية الحورية) تبرع في كتابة هذا النوع من القصائد، التي تسرد لنا بإيجاز قصة بأسلوب يسهم في أن يكون جزءا من المعنى، ورفع الجانب الجمالي للقصيدة بشكل كبير، وتستدرج القصيدة القارئ بمحتواها وشكلها في ما يمكن أن نصفه بقصة محبوكة شديدة الامتاع.
تصف القصيدة الحوريات، الأساسيات في الميثولوجيا الاغريقية، خاصة في اوديسة هوميروس. وتوصف الحوريات بأنهن مخلوقات مكونة من نصف نساء وأسماك وطيور تعود إلى أصول مقدسة لكن يتم الانجذاب لها حسيا من قبل البشر.
في حكايات الإغريق القديمة، يلاحظ أن الحوريات كائنات شديدة الخطورة، ممكن أن نجدها في مجموعة مؤلفة من ثلاث جزر صغيرة مؤشرة بتلال خطرة وصخور مسننة من النوع الذي إذا ذهبت باتجاهه السفينة فإنها تتحطم. والأمر الخطير بخصوص هذه الحوريات هو أنهن باهرات الجمال بشكل يفوق الوصف ويمتلكن عذوبة أصوات ساحرة:
هذه هي الأغنية الفريدة التي لا تقاوم
والتي يتمنى كل منا 
أن يحفظها عن ظهر قلب.
أغنية تغوي الرجال فيقفزون من السفينة
جماعات
برغم رؤيتهم للجماجم متناثرة على الساحل.
الأغنية التي لا يعرفها أحد
لأن من سمعها اما في عداد الموتى
أو أنه أصيب بالنسيان.
تبدأ القصيدة بوصف لأغنية الحوريات، مذكرة إيانا بما تغنيه تلك الكائنات، بالقول إن الاغنية من القوة بحيث ان الرجال الذين يسمعونها يحاولون الوصول اليهن من شدة الهيام حتى وهم يشاهدون الجثث والعظام لهؤلاء الذين ماتوا بسبب دفعهم ثمن الغواية.
وتتبع القصيدة أسلوب مارغريت اوتود في الحكاية المكتوبة بطريقة الشعر الحر حيث لا قوافي، وكل بيت يندمج لتشكيل جمل وأبيات تكون محكمة نحويا.
ويبقى البناء مهما للقصيدة إذ تقطع كل فكرة وتأخذ القارئ الى البيت التالي ببطء: 
أتريد أن أخبرك بالسر
وإذا فعلت هذا، هل تحررني من ثوب الطائر؟
لست سعيدة في العيش هنا
جالسة القرفصاء في هذه الجزيرة
التي تبدو 
خلابة وأسطورية 
مع هاتين المجنونتين المكسوتين بالريش
لا أحب هذا الغناء الثلاثي المميت هنا. 
الراوي في القصيدة هو واحدة من هذه الحوريات، واحدة من هذه الكينونات الثلاث على الأرض التي تفهم قوة الاغنية، ومع ذلك تطرح الحورية نفسها متعبة من كونها حورية، واصفة بقية الحوريات بأنهن مجنونات مكسوات بالريش.
وعندما تطلب التحرر من ثوب الطائر، فإنها تقصد بأنها لا تريد أن تظل حورية وتحتاج إلى من يساعدها على الهروب: وتقول بأن أغنيتها هي صرخة
سأخبرك أنت فقط بالسر،
أنت فقط
اقترب أكثر
هذه الأغنية هي صرخة استغاثة 
ساعدني 
أنت فقط 
أنت فقط تستطيع ذلك 
لأنك لا تشبه بقية الرجال 
وفي النهاية، واحسرتاه
إنها أغنية مملة
لكنها مؤثرة في كل زمان.
وإذ يستمر القارئ بالتوغل أكثر في طبقات النص، تبدأ الحورية بالإلحاح والتوسل أكثر، قائلة بأن من يسمع اغنيتها هو الشخص الأقوى الذي لا يمكن قهره وهو الوحيد القادر على انقاذها، واي رجل ذلك الذي لا يريد انقاذ هذه الحورية الساحرة الجمال.
المقطع الأخير من (اغنية الحورية) يمثل انتقالة مفاجئة ليعطي انطباعا بأنه في الوقت الذي تمدح وتتوسل فيه الحورية طلبا للمساعدة، يتوجه اليها بحار سيء الحظ بأقصى سرعة يستطيعها. وتقترح عبارة (أخيرا) بأنه وصل في النهاية، ما يعني انه قتل في محاولته اليائسة لإنقاذ الحورية التي كانت تغني له.  
بطريقة غريبة، تجعل مارغريت اوتود كل قارئ للنص ضحية لحوريتها، بتكسير الأبيات لتكون سريعة وقصيرة، مجبرة القارئ على التحرك سريعا، وهي طريقة ذكية لخلق التشويق والبداية بتأكيد أن سحر اغنية الحورية سيظهر ببناء عنصر الجذب تدريجيا، ومثل اي قصة فان القارئ يريد أن يعرف النهاية، لكن لا يبدو ان هناك نهاية، وبأن المستلم السيء الحظ للحن الغرامي من الممكن أن يكون أي شخص مر من هناك مصادفة وبهذا يعيش القارئ خدعة أيضا ما يجعلها قصيدة ممتعة بمحتواها وطريقة كتابتها.. اشهار لقدرة اوتود على التعبير عن عاطفة زاخرة وكتابة قصة مسلية في الوقت ذاته.