هايكو (تيك توك).. ترويع واستهلاك

ثقافة 2021/07/06
...

ابتهال بليبل 
 
لو تأملنا محتوى القصص اليومية الشائعة جدا التي تبث على تطبيق (تيك توك) إذ يلعب فيها الفتيان والشباب أدوارا لشخصيات نسائية ذات كاركتر كوميدي لوجدنا أنهم –من دون دراية ولا وعي-  يعززون ويرسخون تلك الصور النمطية السائدة في المجتمع والمخيال الجمعي عن تعنيف النساء وتسطيح أفكارهن والطعن بقدراتهن الذاتية وحصرها في العمل المنزلي والرغبة الجنسية
فحسب! 
ولا بد أن كل من تابع هذه المقاطع- وهي تحظى بعدد هائل المشاهدات- يشعر بأن هذا هو حال المرأة في المجتمع العراقي من حيث الانتهاك والابتذال والسذاجة، مع فارق واحد: أن كثيرات من ضحايا هذه الانتهاكات يتصفن في الواقع بحسن الهيئة ورجاحة العقل لا مثلما تظهره لنا هذه المقاطع من قباحة الشكل فضلا عن النوايا الشريرة
 لديهنّ. 
وهنا سأتجاوز الحديث عن التنكر الجندري وارتداء الملابس المتقاطعة والتفاصيل المبالغ بها التي تدور حول المرأة لأتحدث عن الخطاب المتقمص المتمثل بتجربة المرأة كما يراها الرجل ويفسرها، أو بمعنى أصح، عن ماهية المرأة التي يصورها الرجل كما يريد ويتحدث بلسانها وأفكارها ويعتقد أنها تستدعي الضحك والسخرية التي تجعل المشاهدات ترتفع ويصبح المحتوى (تريندا).
في مقطع فيديو (زوجة زعلانة من زوجها بذريعة شتمها) الذي بثّ عبر تطبيق (تيك توك)، على سبيل المثال لا الحصر، طلب الشاب الذي يلعب دور الأم من ابنته التي يلعب دورها أيضا (رجل) آخر بالعودة والسكوت حتى لو تعرضت للضرب والتعنيف. 
ولو اعتبرنا أنّ تعنيف الزوجات أو الفتيات والانتقاص منهن أمراً طبيعياً كما تروج عشرات المقاطع المصورة التي يلعب فيها الرجال الأدوار الانثوية نجد أنّه يلفت انتباهنا إلى أنها وسيلة لشرح ديناميات سلطة (الذكر) الرجل. حتى بدا الأمر وكأنه محاولات الرجال لإخضاع النساء، نظرا لأن هذا هو الشيء الأكثر وضوحا عند الربط بين القصة والدور الأنثوي الذي يلعبه الرجل، فضلا عن أنه يشير إلى أن هذه الأنواع من ديناميكيات القوة المتمثلة في رفض المرأة لكل أشكال التعنيف هي مصدر قلق رئيس
للمجتمع.  
وعند إلقاء نظرة فاحصة على تلك المقاطع ندرك أن العنف الذي تتعرض له النساء يمكن أن يكون مقبولاً اجتماعيا. فبدلاً من المعارضة لهذه الظاهرة يطمس الشباب المعاصر الخطوط الفاصلة بين الهوية والأداء والمعرفة وسوء الفهم.  
وعلى الرغم من هذه الاشكاليات العميقة بجذورها الممتدة في نسيج البنية الاجتماعية والثقافية التي تحاول هذه المقاطع المصورة نقلها، فإنها في معظم الحالات -أي المقاطع- مبنية حول افتراضات فردية موضوعة من الرجال أنفسهم حول النساء وآرائهن أي أنها تبقى رهن العقل الذكوري معبّرة عنه فقط من دون أن تدخل عالم
 المرأة..