رواية نيران الواقعية والتمثيل النسوي

ثقافة 2021/07/06
...

 علي سعدون
 
(1)
ابتداءً، ينطوي العنوان على إشارة واضحة إلى اهمية الواقعية في روايات ما بعد عام 2003، إذ ستقودنا قراءة هذه الرواية وتحليلها إلى اعتبار “نيران” من رواياتنا “النسوية” الواقعية التي تحتاج إلى فحص ودراسة عميقين. وعلى ضوء ذلك يمكننا أن نقول إن على قارئ رواية “نيران” لحسن السلمان أن يضع نصب عينيه أهمية أن تكون الرواية العراقية المعاصرة، واقعية، خالية من التغريب واللامعقول. رواية واقع يجري في الشارع والزقاق مثلما يجري على الورق، الأمر الذي يمنح أبطال الرواية وشخوصها زخماً حقيقياً في جعلهم شخصيات من دمٍ ولحمٍ، لا افتراضيين ونظريين مثل الأشباح التي ترد في الأساطير، وتبقى في حدود افتراضيتها ووجودها المُتخيل، البسيط والمركب على حد
سواء. 
في رواية «نيران» نحن نتعلّق بأذيال روايات الواقع وندير ظهورنا لموجة عاتية من موجات الفنتازيا في الرواية العراقية. الفنتازيا التي تكاد تكون السمة الأبرز في روايات ما بعد عام 2003 وكأن الروائي لايريد أن يكتفي بضخامة ما يجري من تحولات هائلة في الحياة العراقية فيجنح إلى اللامعقول والغرائبي والفانتازي كبديلٍ عن هروب على مستويي المعنى والمبنى من مقاربات وكشوفات مهمة تنتظر تحول الرواية برمتها إلى أفق سوسيو/ ثقافي مزدان بالحمولات المعرفية والتاريخية. وفضيلة حسن السلمان في رواية نيران ابتداء، هي إشارة إلى أهمية الرواية الواقعية حيال ما يجري من تغريب غير مقنع في معظم الأحيان، ولنا في ما جرى من تخييل وفنتازيا غير مقنعة وغير محببة طيلة عقدين من الزمان، دليل على خراب المعنى السردي في روايتنا العراقية.. 
 
(2)
إن واحدة من أهم تمثيلات هذه الرواية هي صورة المرأة المستلبة والمكسورة والمقموعة التي لم تركن لمرارة قدرها ووحشيته، إنما عملت على التمرد والمواجهة منذ صباها. نيران إذاً أنموذج للفعل النسوي غير الواعي وهو يحمل على عاتقه محنة أن يكون درساً من دروس الحياة العراقية. صورة من صور الانحطاط في تسعينيات القرن الماضي. الانهيار الذي صار عادياً بفعل تضافر جهود السياسي برمزيته القامعة، والاجتماعي بفعل العوز والتفكك الذي يحيل إلى التوحش والبربرية. 
في هذا المفصل سيتساءل القارئ كثيراً عن موقف انحياز السارد في رواية نيران لشخصيتها. هل كان متعاطفا معهاً، هل عمل على سبر أغوار الشخصيات الأخرى وجعلها عوامل مساعدة للارتقاء بنيران وجعلها في صدارة
الحدث؟. 
في هذا المفصل، أعتقد أن الروائي حسن السلمان عمل على  توظيف الوعي والكينونة للتعبير عن روح المرأة ودورها الكبير بصناعة الحياة في العراق حتى وإن جاءت مكسورة ومدمرة ومشوهة، وهو هنا يدفع بعدته النسوية، النسوية التي ستقول بقدرتها على المقاومة، وعلى الإتيان بمجد غير مرئي جعلنا نتعاطف معها ونعيش تفاصيل محنتها ومأساتها الكبيرة. 
مقاومة نيران وتشبثها بالأمل في البصرة (البجاري)، وفي بغداد (الحيدرخانة)، يمكننا عدّه رؤية نسوية في التعامل مع المصير الذي ترسمه الحياة عنوة على الدوام. واعتقد أن السارد العليم عمد إلى تضخيم وجودها المستلب من خلال جعلها بؤرة الحدث والشخصية المركزية في آن واحد. وقد دارت أحداث الرواية كلها من خلال تتبع مصيرها الشخصي. مصير نيران المتحرك والفاعل الذي يريد أن يصنع شيئاً ذا قيمة باعتبار نسويتها لا باعتبارها شخصية امرأة ذات نزوع متمرد فحسب. الناقدة «موريس بام» تشير في كتابها الأدب والنسوية أن الكاتب يمكنه أن يكتب بطريقة مؤنثة، مثلما تستطيع الكاتبة العكس من ذلك، وأن ذلك كله سيكون مبعثه الوعي وليس الإيمان بجندرية تقسيم الشخصيات والانحياز لها بصورة ميكانيكية أو آلية سطحية.. هذا الأمر المهم للغاية، يجعلنا نتلمس بوضوح قدرة السلمان على تبني شخصية نيران وهي تكتب مصيرها بيديها لا بأيدي السارد
ولا الراوي.. 
هذا الأداء السردي الذي يشير إلى مهارة حسن السلمان في الكتابة، جدير بالعناية والاهتمام والبحث والدراسة. النسوية ببساطة شديدة هنا في هذه الرواية رد فعل على همجية وبربرية الحياة التي تقبع المرأة الشرقية والعربية في أتونها وفي محارقها الاجتماعية البائسة والقاتلة. 
يمكننا الانتباه أيضا إلى مسألة فنية مهمة في رواية نيران تتجسد في تدفق المشهديات المصنوعة بدقة متناهية في الحياة البصرية. ما يعني أننا نقف أمام حياة كاملة ومحكمة بمهارة في التوصيف والتأثيث المشهدي.. وأعتقد جازماً أن ذلك يتطلب مهارة في طريقة إحكام رسم تلك المشهديات من خلال المخيلة الحادة والذاكرة الخصبة
 والقوية.