هل فقدت «السندريلا» جانبها «النسوي» على أيدي الرجال؟

ثقافة 2021/07/06
...

 ألكسندر سيرجنت
 
 ترجمة: ليندا أدور
 
وفقا لما ذكره قسم الدعاية والإعلان، فإن الإنتاج الجديد لأندرو لويد ويبر للمسرحية الموسيقية سندريلا، قدم لجمهوره لا شيء أقل من (إعادة صياغة بالكامل للقصة الخرافية الكلاسيكية)، إذ يعد الإنتاج الجديد هذا، المأخوذ عن كتاب لمؤلفته إميرالد فينيل (التي رشحت لنيل جائزة الأوسكار عن فيلم -امرأة شابة واعدة-)، مراجعة نسوية للقصة الخرافية، وتحديث للقصة المشهورة لتعكس المواقف المعاصرة تجاه الجنسانية. 
لكن، قصة السندريلا كانت على الدوام نصا نسويا، ربما نكون قد سمعنا عن شخصيات مثل شارلز بيرولت والأخوين غريم ووالت ديزني، الذي يلعب كل منهم دورا رئيسا في الترويج للقصة الشعبية لجيل جديد، لكن خلف إصداراتهم عن القصة الكلاسيكية تلك، تكمن قصة غير محكية لرواة القصص من النساء مثل ماري كاثرين دأولني وكومتيسي دي مراد.
 
قصة عن رغبة أنثوية
قبل الأخوين غريم، كانت هؤلاء الرائدات منجذبات نحو سندريلا ليس لشعورهن بأن القصة بحاجة الى التحديث أو إعادة الصياغة، لكن لانجذابهن نحو الثقافة التي ولدتها، فقد كن شبكة لسرد القصص التي أنشئت من قبل نساء ولأجلهن. 
بدأت سندريلا حياتها كحكاية شعبية، انتقلت شفويا من أسرة الى أخرى، إذ تعود أقدم النسخ المدونة الى الصين بين الأعوام 850-860. ربما تكون هذ النسخة قد وصلت الى المجتمع الأوروبي من خلال نساء كن يعملن في طريق الحرير العظيم. ففي الوقت الذي كان فيه الرجال فقط هم الكتّاب أو الفنانين، كانت النساء تلجأن للحكايا الشعبية كوسيلة للتعبير عن إبداعهن، فقد مررت العاملات وربات البيوت القصص الى بعضهن البعض لنشر الحكمة المشتركة، أو ربما لكسر الملل عن يوم عمل آخر وهن يكدحن بعيدا عن عيون الرجال الفضوليين.
لا يزال صدى تقاليد سرد القصص تلك يتردد حتى يومنا هذا، فهي الموضع الذي ننهل منه أفكار حكاية الزوجات العجائز. فوفقا لكاتبات نسويات مثل مارينا وارنر، فهذا هو ذات السبب الذي يجعلنا غالبا ما نربط النميمة والثرثرة بالنساء. تعكس قصة «سندريلا» هذه العادات، هي قصة عن الأعمال المنزلية، عن العنف ضد النساء والصداقة، وجور الاستعباد، والأهم من ذلك كله، انها قصة عن رغبة أنثوية في عالم حرمت فيه النساء من أداء أي دور في المجتمع. 
 
تكييف القصة
لطالما كانت الرواية الدقيقة لسندريلا في تغير دائم، ففي بعضها لا تزال لديها أم، وفي أخرى، تلجأ أختاها غير الشقيقتين الى قطع كعوب أرجلهن للفوز بقلب الأمير. لكن، بغض النظر عن الرمز والتجسيد، كانت السندريلا على مدى التاريخ قصة عن النساء وللنساء، فما الذي تغير ليجعلها عاجزة ومغلوبة على أمرها؟ إنهم الرجال، فمع تزايد شعبيتها، اهتم الكتاب والفنانين من الذكور بتكييف القصة، لكنهم بذلك، وجدوا بأن السندريلا ليست مجرد قصة عن تحقيق رغبة أنثوية، وانما هي شعور أعم بالهروب من الواقع. 
كان بيرولت هو أول من قدم فكرة اليقطينة الشهيرة والحذاء الزجاجي، ليمنح القصة من خلالها اثنين من أشهر مميزاتها الأيقونية، فالأخوان غريم، لجآ لجعل أختيها غير الشقيقتين قبيحتين، كما قاما باستبعاد الجنية العرابة لصالح شجرة الأمنيات السحرية، وقد عكست مظاهر التكييف تلك كراهية النساء اللاواعية، لتجريد القصة الكثير من مكمونها الأنثوي وجعلها بدلا من ذلك تدور عن الفتنة والسحر على حساب التمثيل.في التعديلات السينمائية للسندريلا، تستمر هذه التقاليد، فكان أول من قام بتجربة تكييف القصة للشاشة الكبيرة هو المخرج الفرنسي جورج ميلييس، فقد جعل من الشخصية أكثر من مجرد كونها خائفة وسلبية، مقتصرا دورها على الوقوف بزوايا التصوير ليبدو عليها الاندهاش من المؤثرات الخاصة التي تظهر على الشاشة. 
 
ستراتيجية ديزني
بعدها بعقود، استخدم والت ديزني السندريلا كجزء من ستراتيجية استوديوهاته في استثمار الحكايا الشعبية لغرض التسلية والترفيه الشعبي، وهو تقليد بدأه مع (بياض الثلج والأقزام السبعة) في العام 1937. لدى صدوره في العام 1950، عكس فيلم سندريلا من انتاج ديزني القيم المحافظة للمجتمع الأميركي في ذلك الوقت، فقد حملت زوجة الأب الخبيثة صفة الشخصية الشريرة بامتياز بهيئة السيدة تريمين، ففي الوقت الذي كانت فيه شخصية زوجة الأب هي خصم سندريلا في معظم إصدارات القصة الشعبية، إلا أن السيدة تريمين في أفلام ديزني، كانت شريرة الى الحد الذي وضعها في صف الكثير من الأمثلة السيئة السمعة للمرأة الوحشية، فعلى يد ديزني، تحولت الكثير من الشخصيات البسيطة في الرواية الأصلية الى صورة كاريكاتورية حية للقوة والجشع الأنثوي. 
وفي آخر إصدار لفيلم سندريلا من إنتاج شركة ديزني في العام 2015، الذي تؤدي فيه الممثلة كيت بلانشيت، دور السيدة تريمين، لم يتغير الا القليل من هذه المفاهيم حول الحكاية الشعبية، فقد أصبحت السندريلا رمز الحنين ليس فقط لسرد القصص في الطفولة فحسب، بل، بالنسبة لديزني، فهي أكثر روايات القصص شعبية، اذ فقد دور المرأة في خلق السندريلا، مكانته أمام الصور المتحركة والمؤثرات الخاصة.
لذا فإن المغزى من هذه القصة الخرافية بالتحديد هو أن السندريلا قصة لا تحتاج الى إعادة صياغة بالكامل، بل بالعكس، انها بحاجة لاستعادتها من أيدي هؤلاء الذين يصرفون النظر عنها لمجرد كونها قصة خرافية، او يستخدمونها كوسيلة للعرض على حساب القصة المكنوزة داخلها. 
*موقع The Conversation