أدلجة الوطنيَّة

آراء 2021/07/08
...

  ا.د.عامر حسن فياض 
إن سفر انسحاب الجيش الاميركي من اماكن دخلها ليصنع نفوذا اميركيا فيها هو من اطول الاسفار التي سجلها المستعمر الجديد، لأن بدايته معلومة ونهاياته يراد لها ان تكون مجهولة.
وفي عام 2003 اصبح العراق محتلا من حيث الارض والسماء والثروات، وحرا من حيث التفكير بالعقل والتعبير باللسان وفيها عاش ويعيش ما بين ماض سيئ، وهو ماضي التفرد المستبد وانعدام الحريات وبين المستقبل الصعب اي مستقبل الدولة الديمقراطية المستقلة، وبين هذا الماضي السيئ والمستقبل وعر التحقيق عاش العراق ويعيش حالة واقع مأزوم، حيث الازمة تتوالد منها عنقود ازمات!. 
وهكذا ضاعت البلاد في دهاليز مرحلة الانتقال من حريات معدومة الى حريات منفلتة، وعند آخرين سميت مرحلة الانتقال من صراخ استقلالي صلب خال من الديمقراطية الى حالة صراخ ديمقراطي خال من الاستقلال، وحتى اليوم بقي الماضي سيئا والمستقبل صعب التحقيق. 
نعم ان القديم الذي كان متصدرا ادعى انه يمسك بالسيادة البودانية الصلبة على حساب الرضا الداخلي. اما الجديد المتصدر فقد تجاهل السيادة والاستقلال مدعيا تمسكه بديمقراطية في اطار دولة تارة تسمى فاشلة وتارة تسمى مذلة!. 
لماذا حصل ويحصل كل ذلك؟ هل العيب في الذات الجواني (الداخل) ام في الاخر البراني (الخارج)؟ ام ان الاثنين يتقاسمان العيب؟. 
الداخل شعب عراقي يتحمل الاعباء والخسائر وقوى متصدرة لاتستقوي بعضها بالبعض عراقيا، بل يهمها الاستقواء بالاجنبي موزعة استقوائها بين ذلك الطرف الدولي او ذاك الطرف الاقليمي شرقا وغربا، وهي ذاتها القوى المتصدرة التي تحسن التورط بتوريط الآخرين الاجانب لها، وهي ذاتها التي اهتم بعضها بالاستقلال والسيادة فقط دون ديمقراطية واهتم بعضها الاخر بالديمقراطية فقط، من دون الاستقلال والسيادة. وهي ذاتها القوى المتصدرة التي خلطت بعضها الاستحقاقات الوطنية العراقية بالاستحقاقات المحلية والشخصية، بينما فضل بعضها الاخر الاستحقاق المحلي الجهوي الضيق على الاستحقاق الوطني العراقي الواسع، وظل بعضها الثالث الاضعف بلا حول ولا وزن ولا قوة، متمسكا بادراكه افضلية الاستحقاق الوطني على الاستحقاق المحلي. وادراكه لسخافة رحمنة اسرائيل ووهم قداسة التطبيع معها، وادراكه بأن اطراف الرأسمالية المتوحشة حلفاء غير موثوق بهم. وتلك لمم من عيوب الجواني السياسي في عراق اليوم. 
اما عيوب البراني الخارجي فانه يحسب جيدا معادلة الكلفة والارباح والخسارة مع ادراكه ضرورة التقليل من الكلف حتى عند تمسكه بالثوابت، فهذا البراني الرأسمالي المتوحش يعمل ببوصلة ثلاثية الابعاد في المنطقة تقوم على سلامة دماء جنوده في خارج حدوده مهما كان الثمن اولا، وامن اسرائيل ثانيا وصدارة الدولار زعيما على كل انواع العملات في العالم الغربي والشرقي ثالثا. 
وهذا البراني الخارجي لن ينسحب من العراق طالما ان بوصلته الثلالثية تعمل من دون خسارة دم جيوشها الغازية، او دون خسارة الدولار لزعامته ودون تعرض اسرائيل لخطر المقاومة. 
ان البراني الخارجي لن يجعل من رأسماليته تغادر توحشها مستخدما اساليبه الخشنة والناعمة لتقطيع شريان المقاومة وتخريب الدول الوطنية وعرقلة مسارها نحو الاكتفاء الذاتي الغذائي والدوائي والمعرفي. 
لتبقى تراوح الى الخلف المتخلف تتذابح تنوعات كل دولة وطنية قوميا ومذهبيا ومناطقيا لتبقى قوة البراني الغازي تتعاظم، متغذية على قدراتها من جهة وعلى ضعف الدول الوطنية واضعافها من جهة اخرى. 
وهذا يعني بالنسبة للعراق وللدول الوطنية في المنطقة ان البراني الغازي سوف لا ينسحب بجيوشه ولا يغادر توحشه بقناعته ولا مناص من انسحابه، الا مضطرا عندما يغادر الجواني الوطني عيوبه ويحسن استخدام بوصلة ادلجة الوطنية التي لا تفرط بمعادلة الاستقلال والديمقراطية 
معا. 
وأدلجة الوطنية هدف لم نصل اليه بالفوضى، لأن مشروع الفوضى في المنطقة ومنها العراق ماركة مسجلة لزعيمة الرأسمالية المتوحشة ولن نصل اليه بالانقلابات، لأن هذا مشروع ماركة مسجلة لشلة زعامة الرأسمالية المتوحشة. بل ربما نصل اليه بنتائج قارب الانتخابات المقبلة.