أفغانستان والعراق.. إشكالات بناء الأمة والدولة

العراق 2021/07/12
...

ابراهيم العبادي
يتابع فريقان من العراقيين تطورات الاحداث في افغانستان، فريق ينظر بقلق وخوف لنتائج سقوط حكومة كابل وسيطرة حركة طالبان مجددا على السلطة بكل مايحمل ذلك من صور بائسة عن عودة التشدد والراديكالية الدينية، ونموذج الامارة الاسلامية الطالبانية المعاكس لصيرورة التاريخ. وفريق ينظر بارتياح لفشل الستراتيجية الاميركية واضطرار واشنطن الى الانسحاب والتسليم بهزيمة مشروع بناء الامة الافغانية الجديدة، وانهيار الدولة الديمقراطية التعددية.
المستبشرون بالانسحاب الاميركي يرون أن عودة طالبان بعد عشرين عاما من اسقاط حكمها، هو في جوهره  هزيمة كبرى للمشروع العسكري الاميركي في العالم الاسلامي، كما أن هذا الانسحاب جاء تحت وطأة مقاومة شديدة ابدتها قوى متشددة عديدة لاتمثلها طالبان وحدها، وان كانت الاخيرة هي التي هيمنت على المشهد واقصت بقية القوى المناوئة لاميركا وابرزها تيار قلب الدين حكمتيار وفصيل حقاني واخرون.
مشاهد الانسحاب الفوضوي الاميركي والعجلة غير المفهومة في ترك افغانستان نهبا لفراغ امني وعسكري كبير،  تُنبئ بأن تحولا ستراتيجيا كبيرا حدث لدى صناع السياسات في البيت الابيض والبنتاغون، وأن اميركا خرجت من حرب استنزاف كبيرة كلفتها اموالا طائلة ورجالا يعدون بالمئات، دونما افق واعد لدولة افغانية جديدة على انقاض دولة طالبان المتمردة على عصر الحداثة والديمقراطية.
فشل نموذج الدولة الافغانية الجديدة، سيكون مرضا معديا، فالنماذج الاخرى التي سهرت عليها اميركا وانفقت من اجلها الكثير، ستتهاوى ايضا، هذا مايتوقعه بعض المراقبين ويروج له اعلام القوى المعادية لاميركا، ويربطون ذلك كله بايديولوجية المقاومة ضد الغطرسة الاميركية. 
ماذا عن انعكاسات الانسحاب الاميركي على العراق ؟
كثيرون يشيرون الى تماثل ظروف العراق وافغانستان مع فارق  التحديث في البنية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، فالنموذج السياسي الذي ورث دولة الاستبداد جاء هجينا وعاجزا ومنخورا بالفساد وسوء الادارة وهدر الاموال وضياع الموارد، وحتى يصمد هذا النموذج يحتاج الى  استعداد شعبي كبير للدفاع عنه، اعتمادا على وجود ثقة به ومصلحة في استمراره  لدى قطاع اجتماعي واسع، هذا الشرط لم يعد قائما بعد الاحتجاجات التي اكلت من شرعية النظام ومشروعية مؤسساته وانكشاف عجزه وافتقاد ادارته لارادة الحوكمة الرشيدة.
ثمة قوى متأهبة تقدم  نفسها وريثة للنموذج الديمقراطي المترهل العاجز، انها القوى المؤدلجة التي تؤمن بأولوية حمل السلاح وتصفية الحسابات والاستمرار بالصراع ضد الاميركان ومَن تصنفهم اتباع ومرتبطون باميركا ومشروعها  لدواع مختلفة، لكن ماهو النموذج السياسي المقترح؟ بلا شك سيكون هذا النموذج معاكسا للكيفية التي تحاكي النموذج الديمقراطي الهجين، اي ان عشرين عاما من مشروع بناء الامة الجديدة، ونموذجها السياسي التوافقي الاسترضائي، وقوانين عدالته الانتقالية، تبخرت او في طريقها الى التبخر، في لحظة قلقة تنعدم فيها الخيارات الواقعية وتكثر فيها الشعارات الايديولوجية.