الخروج الأخير وأيام المحنة

آراء 2021/07/13
...

 د. بشار قدوري
 
مع الأخبار السريعة التي تأتي من أفغانستان والتوسع الشاسع لقوات طالبان، حيث سقطت خمس ولايات خلال 24 ساعة فقطإ فإن فكرة الجحيم ونهاية العالم ستأتي من أفغانستان، كأنها ايام القيامة للقوات الأميركية ممثلة ب 21 سنة لقواتها هناك. 
إن وصول طالبان إلى أراضي طاجيكستان في الشمال الشرقي وإلى باكستان في الجنوب الغربي يمثل بداية الخسارة. ولم يبق كيلومترات للعاصمة كابل مركز الإدارة ومقر تواجد القوات التحالف الدولي بقيادة أميركا.
إن الأخيرة الان تسعى إلى سحب قواتها بخطة تدريجية من ايام الرئيس ترامب، واوعزت إلى المتعاقدين المحليين من مترجمين ومتعاونين بحزم امتعتهم، لأجل اجلائهم قبل اكتمال الانسحاب النهائي .
سياسة طالبان كانت معتمدة على القوة العسكرية وكذلك على السياسة الخارجية .
حيث كانت تتفاوض بيد وتمسك السلاح بيدا أخرى، وقد خاضت دولة قطر لقاءات طويلة وسرية لأجل تحقيق وساطة لإنقاذ القوات الأميركية من انسحاب هادئ، يحفظ كرامتها وكذلك استقرار البلاد مع حكومة ستخلف إدارة أميركية في التوجهات والسياسة والتبعية للغرب.
 الغرب فشل في إدارة ملف أفغانستان والعراق والمعلوم أن أفغانستان قد دخلها بوش الابن سنة 2001، اي قبل دخول العراق بسنتين، ولم ينجح فيه الحل العسكري في تلك الدولتين مع الفارق أن أفغانستان بلد فقير قبل دخول وبعد الخروج ولم يزد أفغانستان شيئا من ثروات وإمكانياته وإعمار وتطور، بل الذي يفرق هو خروج أكثر من 8 آلاف مترجم ومتعاقد قد اكتسب الجنسية الأميركية وسافر إلى خارج أمريكا.
اما ملف العراق فإن الفارق كبير ومحبط بين اقتصاديات قبل الدخول وبعد الخروج والتطور والبنية التحتية من كهرباء ومياه وغيرها. لكن الشيء الوحيد في العراق هو تمركز القوات الأميركية بشكل دائم في قواعد شمال العراق، مع قيام علاقات قوية وستراتيجية خاصة في إقليم كردستان.
ان الخسائر التي تكبدتها القوات الأميركية في أطول حرب خاضها الجيش الأمريكي هي حرب أفغانستان، حيث الواحد والعشرون سنة والأمريكان ينزفون المال والعدد والعتاد، وبلغ ووفقا لدراسة أجرتها جامعة براون في عام 2019، والتي رصدت عملية الإنفاق على الحرب في أفغانستان، أنفقت الولايات المتحدة نحو 978 مليار دولار دون الوصول إلى هدف التعادل الذي يحافظ على ماء الوجه وسمعة الجيش الأميركي. وكذلك القوات التحالف البالغ عددها أربعين دولة أجنبية .
المتوقع لسد الفراغ الذي سيحصل هو أن تتدخل دول جوار افغانستان وتوريط باكستان وإيران في هذه الحرب لمواجهة الفراغ الحاصل بعد الانسحاب، وترك الحكومة الأفغانية التي يذوب جنودها في المقاطعات والولايات الأفغانية يوما بعد يوم.
وكذلك نتوقع دولا تلعب وساطة مع طالبان والغرب لأجل كبح جماح الحركة كأن تكون عربية.
المستفيد من تلك الحروب والانسحابات هي روسيا والصين، حيث ستوفر لها المرونة للعب دور سياسي وعسكري في آن واحد مع القطبية العالمية، وظلال الحرب الباردة التي لم تنقطع إلى يومنا هذا .
ان في تاريخ أمراء الحرب الأفغان الذين سيطروا على الاقطاعيات المهمة في أفغانستان هم اربعة. حيث تمركز عبدالرشيد دستم الأوزبكي في الشمال وإسماعيل خان في الغرب وأحمد شاه مسعود في كابل والملا عمر البشتوني في قندهار 
دفَع دخول الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان في 1979 خصومه في الحرب الباردة «الولايات المتحدة وباكستان والسعودية والصين» إلى دعم المتمردين الذي كانوا يحاربون جمهورية أفغانستان الديمقراطية المدعومة من قبل السوفييت الشيوعية. على النقيض من الحكومة العلمانية والاشتراكية التي كانت تسيطر على المدن، سيطر أمراء الحرب المتحفزون دينيًا على معظم الريف.
 كان جلال الدين حقاني، إلى جانب رباني وحكمتيار وخان، من بين أمراء الحرب الآخرين.
 عملت وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن كثب مع المخابرات الباكستانية لتقديم الدعم الأجنبي للامراء الحرب ضد الروس، خاصة مع إسقاط عشرات من الطائرات الحربية الروسية بسبب تجهيز الأميركان بسلاح السترلا الحراري المضاد للطائرات وأحدث قفزة نوعية في كفة الحرب.
أعلن الاتحاد السوفيتي انسحاب جميع قواته بشكل رسمي من أفغانستان 1989 بعد عشر سنوات دموية منذ عام 1979 ولم يتغير شيء في أفغانستان. الفكرة اليوم تتكرر مع القوات الأميركية بالانسحاب الخاسر، وفق مبدأ كما تدين تدان، مع هذه الجدلية تزهق أرواح وتفسد أموال وتباد عقول الناس، لكن فكرة الدين تبقى راسخة إلى يوم 
القيامة.