وماذا عن نسيج الأهواء؟

آراء 2021/07/13
...

  حسين الصدر 
 
من الصعب على الباحث الحصيف أن يسلم تسليما كاملا بكل ما حوته كتب التاريخ من أخبار، ذلك أنها انحازت الى السلاطين والحكام انحيازاً مذهلا، ونسجت أخبارها على نوْل من الأهواء - على حد تعبير الشاعر الراحل الدكتور السيد عبد الامير الورد- حيث قال :
وكفرت بالتاريخ كل خيوطه 
نسجت على نول من الأهواء
ونحن لا نوافقه على قوله إن خيوط التاريخ كلها نسجت على نول من الاهواء، ونعترف أن الكثير من صحائفه نسج بالفعل على نول الأهواء. 

- 1 - 


فالطمع بعطايا الحكام وهباتهم من جانب، والخوف من عقوباتهم اذا ما تم الالتزام الكامل بسرد الحقائق من جانب آخر كانا وراء تلميع صُوَرِ الحكّام، وسَرْدِ المناقب ونسبتها لهم لكن بأبهى الألوان وأجملها مع أنّها اساطير لا تمت الى الحقيقة بصلة على الاطلاق .
ومن الامثلة على ذلك ماجاء في ترجمة «الواثق بالله بن المعتصم» ت 232 هـ في «عيون أخبار الاعيان مِمَنْ مضى في سالف العصور والأزمان» ج1 ص 350 
فقد نقل عن الواثق قوله :
«دخلتُ داري يوماً فاذا رجلٌ جالس، فقلتُ له :
كيفَ دخلتَ الدار بِغيرِ إذنِ صاحبها؟
فقال :
أنا أخوك الخضر 
فقلتُ :
ادعُ لي الله تعالى فقال :
هوّن الله عليك، فقلت :
زِدْنِي 
فقال وستَرها عليك اي الطاعة». 
لقد ذُكر الخبر هنا منسوباً الى الواثق دون تعليق، مع أنّه في منتهى البُعد والغرابة، ذلك ان الواثق كان مشهوراً بِحُبّه لغلام مِنْ غلمانه اسمه «مهج» وقد نظم فيه شعرا حيث قال :
يا ذا الذي بعذابي ظَلَّ مُفْتَخِراً 
ما أنتَ الاّ مليكٌ جار اذْ قَدَرا 
لولا الهوى لتجارينا على قَدَرٍ 
وإنْ أفقْ منه يوماً ما فسوفَ ترى 
هذه واحدة .
وقد اشتهر عنه انه كان «أعلم الخلفاء بالغناء»!.
وله أصواتٌ وألحانٌ.
وكان حاذقاً بِضَربِ العُود 
راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 221 
والسؤال الآن :
ما الذي يجمع «الخضر» بالواثق المفتون بغلامه والبارع في الغناء والألحان؟
انها أكاذيب منمقة، وحكايات لا أصل لها، تستهدف تسويق «الواثق» كشخصية استثنائية عظيمة، ومن دلائل عظمتها ومكانتها المتميزة زيارة الخضر المزعومة في الخبر الذكور!.
- 2 - 
ان التاريخ لا بُدَّ له من تمحيص، ولا بد من اسقاط الخبر الرخيص، ولا يسعنا التصديق بكل ما انطوى عليه من زخارف ومدعيات لا تصمد عند التدقيق والتأمل العميق.
- 3 - 
والتسبيح بحمد الطواغيت، واسباغ أعظم الأوصاف والنعوت عليهم، بضاعة رائجة فأصحاب الاقلام المأجورة موجودون في كل زمان ومكان.
- 4 - 
وقد ابتلي العراق أيام الطاغية المقبور بمن خلع عليه من الصفات والسمات ما ارتفع به عن مستوى البشر!.
- 5 - 
وفي العراق الجديد كَثُرْت «الجيوش الالكترونية» التي لا هدف لها الاّ الترويج والتمجيد لمن أغرقها بالأموال الحرام وجنّدها لمدحه والطعن بِمُنافِسِيه، مع أنّ المنافس لا يعد من الخصوم عند العقلاء والمنصفين!.
- 6 - 
ولا بُدَّ من التحذير من التسليم بِكُلّ ما ينشر ويسمع من اخبار، فقد كثر دَسُّ السم بالعسل، واختلط الحابل بالنابل، للاسف الشديد.