ما بعد الحرائق
الصفحة الاخيرة
2021/07/17
+A
-A
جواد علي كسار
في القاهرة نفسها تحديداً في نهاية العهد الفاطمي، أُشعلت النيران في الفسطاط (ضواحي القاهرة الحالية) لعرقلة دخول الصليبيين، وقد ظلت النار مشتعلة (54) يوماً وكان الدخان يُرى على مسيرة ثلاثة أيام، ولم يبقَ من المدينة سوى مسجدها الكبير. حريق موسكو عام 1813م الذي دام خمسة أيام، انطلق بمبادرة من أهالي المدينة أنفسهم، خوفاً من غزو نابليون لمدينتهم، في بريطانيا يسجّل لنا التاريخ مجموعة حرائق مروّعة، أتت على عمران المدينة، وخلّفت خسائر فادحة، ربما كان أشهرها ما أُطلق عليه «حريق لندن العظيم» الذي دمّر المدينة القديمة، وأتهم به فرنسي أُعدم فعلاً، ولم تتعافَ لندن من خرابه إلا بعد ثلاثين عاماً من البناء والإعمار.
من أقرب الحرائق السياسية إلى الذاكرة، حريق البرلمان الألماني «الرايخستاغ» عام 1933م في الشهر الأول من عهد هتلر، وهو الحريق الذي أدّى إلى ترسيخ سلطته بسن قانون الطوارئ، وشرّع لإلغاء حرية التعبير والتجمّع، وخصوصية المراسلة، واعتقال الأفراد بتهم مدبّرة أو جزافية، وحتى من دون تهمة، ما سمح لهتلر بالاستيلاء على حكومات بعض الولايات الفدرالية، التي كانت بأيدي خصوم النازيين. ازدهرت في العراق «ثقافة» الحرائق ذات الأبعاد السياسية الممنهجة إبّان التغيير عام 2003م، وصارت لها قدم راسخة أكثر فأكثر، في السنوات التالية، وفي أيامنا هذه توالت الحرائق في المزارع والوزارات والمستشفيات وأبراج نقل الطاقة، والأسواق والمخازن والمحال الكبرى؛ والسؤال: هل تعبّر هذه الحرائق عن حوادث طبيعية عفوية، أم هي حرائق ممنهجة تبيّت أهدافاً سياسية، وتمهّد لتغييرٍ ما؟.