تكنولوجيا استنزاف الأموال

آراء 2021/07/17
...

 بشير خزعل 
 
في نهاية العام 2017، أقرت شركة «آبل» أنها كانت تبطئ بعض تطبيقات هواتفها القديمة، لانتاج اجهزة حديثة تلقى رواجا في الاسواق، هذا الاعتراف السري سُرب من موظفين يعملون بالشركة وادى إلى موجة غضب عارمة في اوساط المستخدمين لهذه الهواتف، ما أجبر الشركة على الاعتذار وكسب ود زبائنها من جديد بتخفيضات في أسعار بعض منتجاتها، وبعد الاعتذار الذي تقدمت به «آبل» إلى مستخدمي هواتف «ايفون» بسبب تعمدها إبطاء الهواتف القديمة، أعلنت شركتا «سامسونغ» و«إل جي» أن الهواتف المحمولة التي تصنعاها لا يمكن أن تتباطأ مع التحديثات، كما حصل مع هواتف «ايفون»، كنوع من المنافسة المشروعة بين تلك الشركات للاستحواذ على الاسواق العالمية، في مجتمعنا العراقي اصبح استبدال الهواتف النقالة جزءا من طقوسنا الاجتماعية الجديدة، ففي كل عام  يشعر البعض بالحاجة إلى الحصول على أحدث الهواتف المحمولة.
الكثيرون من كلا الجنسين ومن اعمار مختلفة صاروا يشعرون بالخجل من اقربائهم واصحابهم من استخدام جهاز موبايل مضت على انتاجه اربع او خمس سنوات، علماء النفس فسروا هذه الظاهرة  بـ»التقادم المتخيل» أي الإحساس الدائم  بان هناك ما هو أفضل من اي حاجة يملكها حتى لو كانت ماركة عالمية نادرة او ثمينة، الشركات المصنعة للهواتف النقالة وعبر مستشاريها استغلت هذا الامر في اصدار نسخ حديثة تدعي استحداث تطبيقات جديدة فيها بالرغم من ان مضمونها لا يختلف كثيرا عما موجود في الهواتف الاقدم، هذه الصناعة المبتكرة فنيا ونفسيا اعطت احساسا لملايين المستخدمين بان اجهزتهم اصبحت قديمة بالرغم من انها تعمل بشكل مثالي وتتوفر بها اغلب الميزات الالكترونية التي يحتاجونها.
 لقد ادركت شركات الهواتف النقالة هذه «الخدعة المشروعة» من خلال استغلال البعد النفسي من تضخيم الشعور «بالتقادم المتخيل» وقامت باستغلالها على اكمل وجه كافضل اداة لاستدراج ملايين المستخدمين وتحقيق ارباح بمئات ملايين الدولارات شهريا، ولعل افضل الاسواق لهذه التجارة هي الاسواق العربية حصرا، ففي اوروبا ودول كثيرة لا تنطلي فيها مثل هذه الخدعة على عامة تلك الشعوب، فهي تستخدم الهواتف لاغراض الاتصال كضرورة اولى، ولا يهم ان توقفت بعض تطبيقات الزخرفة الالكترونية غير المهمة، في كل بيت عراقي اصبح لكل شخص هاتفه الخاص، وبمعدل انفاق متوسط على شراء الهواتف النقالة واستبدالها بالاحدث فان ما ينفق على شراء واستحداث الهواتف النقالة سنويا من قبل 30 % من المجتمع العراقي يصل الى حدود 400 - 800 دولار للاسرة الواحدة كحد ادنى، ولنا أن نتخيل حجم المبالغ الكبيرة التي تحصل عليها الشركات المصنعة للهواتف النقالة في عموم دول العالم مع اصدار كل نسخة جديدة من انتاجها الالكتروني لاجهزة الموبايل التي اصبحت اجهزة كمالية اكثر من فائدتها كجهاز اتصال لدى الكثيرين من اصحاب الشعور بخيال التقادم الذي يستنزف ملايين الدولارات من اقتصاديات الدول النامية المستهلكة لتكنولوجيا الهواتف النقالة.