عن صحيفة واشنطن بوست
ترجمة: أنيس الصفار
صرفت حتى الان اكثر من 3 مليارات جرعة من لقاحات فايروس كورونا على نطاق العالم لكن هايتي، التي تعد إحدى الدول القليلة التي حرمت من ذلك، لم تتلق شيئاً منها ولا تمكنت من صرف جرعة لقاح واحدة. الوفيات في هايتي بسبب مرض كورونا وفق الاحصائيات الرسمية واطئة نسبياً، ولكن هذا قد يكون مردّه انخفاض عمليات الفحص الطبي والتقارير غير الموثوقة، التي تعدها منظومة صحة عمومية متداعية. بل ان الوباء في واقع الأمر قد شدد قبضته مؤخراً على هذا البلد وبالاستطاعة تصور النتائج اللاحقة. فالمستشفيات تنوء بما يفوق طاقتها والأوكسجين في شح والوفيات
تتصاعد.
نظراً للفوضى السياسية وعنف العصابات الذي اخذ يتفشى خلال الفترة، التي سبقت اغتيال الرئيس «جوفينيل مويس» مؤخراً، والاضطرابات المستمرة بالتصاعد منذ ذلك الحين، باتت هايتي الان تواجه انحداراً متفاقماً في الاوضاع الانسانية. فحكومتها في حالة انهيار وليس هناك تقريباً زعماء شرعيون منتخبون لكي يتولوا زمام الأمور.
من المرجح غالباً أن معاناة هايتي الحالية، من أزمة الامن الغذائي الحادة المتفاقمة الى بلاء «كوفيد- 19»، لن تزداد إلا شدّة وتردياً ما لم يكن هناك تدخل دولي. لا أحد طبعاً يحلو له التدخل اليوم في بلد أقل ما يمكن قوله عنه هو ان جميع محاولات التدخل السابقة فيه قد انتهت الى تشابكات ومشكلات لا فكاك منها. رغم هذا فإن غياب الحضور الدولي الفعّال والنشط سوف يسفر عن تسارع وتائر المأساة في هايتي ومعاناة شعبها البالغ 11 مليون
انسان.
هناك وفرة من الادلة على مدى التدهور السريع في وضع الطوارئ الذي تعيشه هايتي، وقد سجلت المنظمات الدولية هذه الأدلة على مدى الاسابيع والاشهر التي سبقت مقتل مويس في يوم 7 تموز، بيد أن العالم بمعظمه واجه الأمر بعدم المبالاة وقلة الاكتراث. فبوجه النداء الإنساني الذي أطلقته اليونسيف حول الحاجة الى ما يقارب 50 مليون دولار لمواجهة الاحتياجات الطارئة لنحو 1,5 مليون من المعوزين المعدمين، ونصفهم تقريباً من الاطفال، لم يمكنها الحصول على اكثر من ثلث التمويل المطلوب. قبل نحو اسبوعين من ذلك كانت «هيلين لاليما»، وهي أعلى موظفة للامم المتحدة في هايتي، قد قالت إن اجمالي الخطة الانسانية للعام 2021 - 2022 التي تستهدف ثلث الهايتيين المحتاجين الى المساعدة، المقدر عددهم بنحو 4,4 ملايين شخص، تواجه عجزاً مقداره 198 مليون دولار من اصل المبلغ المطلوب وهو 235 مليون
دولار.
جميع التحليلات التي تناولت مؤخراً تدهور أوضاع هايتي اجتماعياً واقتصادياً وغذائياً وصحياً، كانت تنتهي بالتركيز على وجود حاجتين ماستين ضروريتين: الأولى هي كسر حالة الشلل السياسي، والثانية هي السيطرة على العنف الذي تمارسه العصابات ويتسبب بإعاقة وصول الاغذية والتجهيزات الطبية ومتطلبات المعونة الأخرى الى من يحتاجونها. فبسبب المعارك المسلحة المشتعلة في العاصمة «بورتو- برنس»، ونتيجة لتقطع الطرق الرئيسة المؤدية الى مدن الاقاليم، وجدت جماعات الاغاثة انفسها محاصرة في مساعيها لتوزيع هذه المواد. خلال ذلك بدأ ألوف الناس المرتاعين من حروب العصابات وتفشي وباء الاختطاف من اجل الفدية بترك منازلهم والفرار الى خارج المدن، حيث لا تتوفر لهم الخدمات الصحية والامدادات الغذائية
الكافية.
اليوم تواجه هايتي، الى جانب غياب الأمن الأساسي، فراغ سلطة يتنازع فيه اربعة رجال على الأقل حق تشكيل الحكومة، أما الدستور فليست فيه خارطة طريق تمكن من تنصيب رئيس مؤقت، كما ان الجيش الوطني والشرطة، اللذين برهنا أما عن عجزهما او عن تورطهما أصلاً في عنف العصابات المتصاعد، لا يدينان بالطاعة لأحد. لم تظهر في هيتي الى الآن ولو صيغة أولية متفق عليها لتخليص البلد من براثن هذه الفوضى الطاحنة، ومن دون التدخل الدولي سوف تتسع المحنة وتزداد
عمقاً.