بناء الدولة بالتراكم

العراق 2021/07/27
...

سالم مشكور
 
مَفهوم الدولة تطور مع تطور النظريات السياسية وظهور أشكال حديثة للأنظمة السياسية لكن العناصر الأساسية لتعريف الدولة ما زالت باقية وهي الأرض والشعب والسلطة السياسية والسيادة. تعرّف الدولة اليوم على أنها تنظيم سياسي للمجتمع أو هيئة سياسية أو تحديداً مؤسسات الحكومة، التي تتميز عن الفئات والمؤسسات الأخرى من خلال الغرض الخاص بها وهو إقرار الأمن والنظام وإدارة شؤون المجتمع، في داخل حدودها الجغرافية وسيادتها. كما تتكون الدولة من اتفاق الأفراد على عدة وسائل وأساليب يمكن بموجبها إدارة شؤونهم وتسوية النزاعات باتباع القوانين، وهو ما يعرف بالعقد الاجتماعي.
هنا فإن عماد الدولة هي المؤسسات، التي يجب أن تكون دائمة، لا تتأثر بالسلطة التي تتغيّر من خلال الانتخابات أو غيرها. فالسلطة مؤقتة، ومؤسسات الدولة ثابتة كونها تقوم على انجاز مهام ثابتة تتعلق بالشعب ومصالحه وحاجاته. وفي الدول الديمقراطية، فإن السلطات تتعاقب وكلها تسهم في بناء الدولة وتكاملها من خلال تراكم الإنجاز. فمن يأتي، يواصل ما بدأه من سبقه، مستفيداً من التجربة في استبعاد عناصر الفشل والبناء على عناصر النجاح بما يجعل الدولة ومؤسساتها أكثر رسوخا وقوة بمرور الزمن.
هذا الامر يتحقق في حال توفر عنصر رئيس يجمع عليه السياسيون والأحزاب وهو إرادة بناء الدولة والإيمان بأن قوتها هي قوة للجميع وضعفها ضعف للجميع بعيداً عن مصالح حزب أو جماعة أو أشخاص. هذا ما نحتاجه في العراق من أجل إعادة بناء الدولة. للأسف فان ما يجري منذ 2003 لا يشير الى بناء مؤسسات أو تقويتها. ربما الظروف السياسية ومقومات تشكيل النظام الجديد وغياب الهوية الواضحة للنظام، ومعها ضعف الثقة بين الفرقاء وعوامل أخرى حالت دون ذلك. لكن النتيجة واحدة وهي عدم بناء دولة وبالتالي بقاء الاضطراب والتقصير في تلبية حاجات المجتمع الذي أوكل للسلطة إدارة شؤونه.
لا يمكن بناء دولة، مع وزير يلغي كل ما فعله سلفه.
لا يمكن بناء دولة مع مسؤولين ينكرون ما فعله اسلافهم ويلغونه ليبدؤوا بالعمل من جديد قبل أن يأتي المسؤول اللاحق ويلغي ما عملوه.
لا يمكن بناء دولة في ظل غياب الدافع الوطني لبناء مؤسسات راسخة تواصل عملها مهما تغيّرت السلطات.
لا بناء للدولة ما لم نوقن أن بناءها مصلحة للجميع، وأنّ خرابها يضرّ بالجميع.