الوظيفة الرمزيَّة في قصيدة عبد الزهرة زكي

ثقافة 2021/08/02
...

 ناجح المعموري 
 
يعرف الشاعر عبد الزهرة بأن الأسطورة مفهوم متسع ولا يمكن لأي منا أن يقدم توصيفاً لها وتعريفاً قادراً على اختزال كل الآراء والتعريفات من خلال توصيف واحد فقط. لذا نجده في نصوصه مناوراً أسطورته ومشاكساً لأسطورتنا مستعيناً بالتخييل ليقدم لنا أسطورة عصرنا ولحظتنا الراهنة. 
لذا اقترح قراءة أجدّ ضرورة لها من أجل تأكيد رأي شخصي بالتجربة الشعرية للشاعر عبد الزهرة وأعني انفتاحها واتساع الدلالة، وهذا لا يتأتى إلا عبر المعنى المعرفي وحيازة خصوصية المهارة في الإيهام والتلاعب بالقاموس الشخصي وإعادة رسم خارطة النص 
وحاكميته وإطاره الخارجي وتفاصيله الداخلية.
من هنا يتشكل الفضاء الكلي المركب، المتداخل بين الداخل والخارج، الخارج الضعيف في تجربة الشاعر، لكنه غير مغيب، خارج هو الذي يتحرك فخيال الشاعر لقراءة ظاهرة وتعريفها من خلال الشعر وليس عبر وسيلة تعبير أخرى. وللشعر وظيفة المس الخاطف لليومي والظواهر ذات الأثر الكبير في حياة الناس وتاريخ الأوطان.
لذا اقترح وظيفة لنص السهم الأخير وهي الاجتماعية.. لكني غير مبال لصعود نزعة الانخذال والخسران في روح النص. وأدرك بأن الفقراء صامدون، وانسحاب الفقير خسران وتعبير عن هزيمة وإن لم يكن اندحاراً حسب مقولة همنغواي الشهيرة.
(سهم أخير/ خذيه يا عاصفة/ خذه يا قلب العاصفة/ سدده نحوي) 
ويفضي بنا المجال الاجتماعي والسياسي المعاصر للدخول الى الأسطورة مرة ثانية، وهي أسطورة متماهية مع الاجتماعي وكاشفة عنه وكأنها الاجتماعي كله لأنه تمثيل أو إعادة تمثيل لما حصل في فجر الحضارات الإنسانية.
تخطف مفردة العاصفة القراءة لتضعها وجهاً لوجه أمام تاريخ مبكر، ارتبطت به أساطير الطوفان المعروفة في تاريخ كل الشعوب، وهي أسطورة عرفتها الشعوب إلا استثناءات قليلة.. وعرفت الديانة العراقية القديمة إلهاً معروفاً وممثلاً للسلطة التنفيذية في مجلس الآلهة بالعراق القديم وعرفنا وظيفة الإله أنليل من خلال ملحمة جلجامش وهو الذي اقترح الطوفان وابتدأ فعلته بالعاصفة والمطر حتى أغرق العالم وأفنى الناس جميعاً ومعروف الإلهة عشتار عبر بكائيتها المشهورة ولعنتها للإله أنليل.
هذا الإله متناظر تماماً مع أسطورة العاصفة والفيضان وقتل الناس وأجد بأن المجال الاجتماعي في النص يومئ لتفاصيل يومية واقعية. ولذا وصل التشاؤم الى مستوى أكبر عندما أطلق صرخته القوية (خذه يا قلب العاصفة/ سدده نحوي) نهاية المقطع تنطوي على توجس ومخاوف من التحول الى ضحية لليومي، اليومي الملاحق للناس جميعا، إنه الموت النيتشوي الذي ينطوي على الاختيار والحرية.
المجاورة الدلالية بين الأسطورة والواقعي واضحة ومن هو قادر على فك الاشتباك بينهما.. كما أن الأسطورة حاضرة في الشعر ولن تغيب حتى إذا تبدى الغياب في القراءة الخارجية، فما دامت الشعرية متوافقة مع الأسطورة بالعناصر الفنية فإنها قائمة، ماثلة، تشكل مركز الشعر وما علينا إلا البحث عنها، وخلقت المجاورة الدلالية بين الأسطورة/ والواقعي وظيفة جمالية عبر اعتمادها التجاوب كمؤسس جمالي لدى المتلقي ومن هذه اللحظة المؤسسة على امكانات القراءة والاستقبال، ينفتح النص أمام اقتراحات ملء الفراغ والتماهي مع النص بنص آخر.
ويثير هذا النص إشكالية الزمن الذي من خلاله نستطيع تلمس مرحلته أو تاريخيته وإن كان الشعر غير مهتم كالسرد بهذا العنصر ولكن أقول هذا الرأي من أجل تأكيد توصلي لأسطورية النص وذلك عبر اندغام الزمن أو غياب الإحساس به، لأنه كذلك في الأسطورة. الأسطورية مطلقة، لا زمان ولا مكان والتاريخية واضحة من اصطلاحيتها حاضنة لزمن ما، الأسطورة تطلق الراهن، وتمد الشعر بما يسميه شتراوس المطلق الأسطوري وتحول الحدث التاريخي الى حدث معاش، ومن هنا يرى سارتر ويؤكد هذا البعد وذلك في أثناء مقارنته بين الأسطورة والتاريخ حيث قال: ابتعادنا الزمني عن الحدث، يفقد هذا الأخير ماديته وتحوّله الى زمن أسطوري، نحمله في ذواتنا ولذلك نرى شتراوس يميز بين زمنين/ الزمن الأسطوري وهو زمن دائري يعود دائما، الزمن التاريخي وهو زمن امتدادي يتقدم دائماً/ قصي حسن/ الزمن والأسطورة/ مجلة الفكر العربي.
السهم الأخير لا يقرأ بمعناه الخارجي/ الظاهري وإنما عبر مفهومه الرمزي/ الاستعاري، ومن هنا تتجدد دلالته الاستعارية ومن هذا المفهوم يكون السهم عنصراً مخيالياً، متجاوراً مع الأسطورة لأنه ظل في دائرة العود الأبدي حسب مفهوم مارسيا إلياد، وهو مكوِّن لطقوس ومنتج لشعائر سابقة، لكنها استيقظت من راسبها في نص شعري جديد، وتلك واحدة من أهم مميزات الشعرية في اقترابها من المحيط الأسطوري. أي أن التحولات قد حصلت فيه عبر الارتحال وتحقق وظائف استبدالية في المجال البنيوي والدلالي الخاص في الخطاب الأسطوري كما قال قصي حسن.
والسهم رمز لا اختلاف حول مرحلته التاريخية المقترنة بالصيد مهمة للرجال وللمرأة في مرحلة الزراعة، لأنها متماهية بوظيفة مع الأرض ويلاحظ بأن الوظيفة تعكس التناظر، الصيد فعل ذكوري متناظر مع قدرة الاتصال الإدخالي مع العاصفة لا بل في قلبها مركزها الأنثوي، قلب العاصفة مجاز النص المركزي (المجازات كالأحلام، كالأساطير والدراما، هي وضع الأشياء غير المتشابهة جنباً الى جنب بهدف إظهار تشابهها، إنها وسائل تتلامس بواسطتها الأقطاب المتنافرة) / جوزيف كامبل/ الأساطير والأحلام والدين/ دار الحكمة. 
ولا بد من الإشارة الى الوظيفة الرمزية للسهم ضمن مقترح الجنس لم يكن اتصالاً مع فتاة أو امرأة وإنما مع فتاة أو امرأة رمزية، هي العاصفة وخلق المجاز هذا توتراً قائماً بين معنيين غير متوافقين ظاهرياً.
العاصفة كما ذكرت قبلاً رمز أنثوي تنطوي على خصائص اتصالية جنسية وقد أشار العالم المعروف مارسيا إلياد بأن أرباب العاصفة يضربون الأرض بالحجارة الصاعقة ولهم كسّارات، الفأس المزدوجة والمطرقة، العاصفة هي علامة الزواج المقدس بين السماء والأرض، الحدادون يطرقون على سنادينهم، يقلدون بذلك الأنموذجية لسلالة القوى/ مارسيا ألياد / أسطوريات عصر جديد/ ت: حسن حيدر/ مجلة الفكر العربي.
ويفضي هذا الرأي الى محاولة قراءة لكشف الطرسية بين نص ناي رسول ضائع وبين نص سهم أخير وخصوصاً في النسق الجنسي.