الانتخابات العراقية.. الفرصة الضائعة

العراق 2021/08/09
...

ابراهيم العبادي
بين التأجيل والمضي باجراء الانتخابات، يتأرجح الفاعل السياسي العراقي بين خياراته المحدودة، ويتأرجح معه الوسط الاجتماعي الذي تقلصت دوافعه للمشاركة.
سيكون اجراء الانتخابات في موعدها، العاشر من تشرين الاول، ابراءً لذمة الحكومة واداء لأكبر مهمة تحملتها غداة تكليف رئيس الوزراء، فاذا جاءت الانتخابات مقبولة بمعايير الديمقراطيات، وتحصلت على درجات الشرعية المطلوبة تكون الحكومة قد اوفت بالتزاماتها وحققت اكبر اهداف تشكيلها، وهو اجراء انتخابات نزيهة ذات صفة تمثيلية واسعة، تساعد في ترميم صورة النظام السياسي واخراج العراق من حالة الانسداد والجمود.
كان هدف اجراء الانتخابات المبكرة، هو تحسين شروط التمثيل السياسي وشمول قوى الاحتجاج والاصلاح والتغيير بمظلة المشاركة والفاعلية القادرة على ترسيم مكونات السلطة، وبأفق جديد يستجيب لداعي السخط والاحتجاج الكبير الذي ابتدأ في تشرين الاول 2019، لكن حينما تطلب الامر عاما ونصف العام لكي تستجيب القوى الماسكة بالسلطة لشرط اجراء الانتخابات كمخرج من حالة التعارض والاختلاف وهيمنة فاعلين سياسيين محددين على المشهد السياسي، اصبح الذين تحمسوا بالامس لاجراء الانتخابات متثاقلين ومتباطئين، لانهم اكتشفوا ان التغيير المنتظر لن يأتي عبر صندوق الاقتراع كما كان متوقعا، بينما اندفعت القوى التي كانت تخشى الانتخابات ونتائجها،  لتغدو متحمسة للديمقراطية ومخرجاتها  بعدما تيقنت ان (شرعيتها) لن تُخدش كثيرا، بل انها ستكسب من اجراء الانتخابات في موعدها المحدد، فاتجهت الى بناء ستراتيجيتها الانتخابية برص الصفوف وتوجيه الشارع المؤيد لها، وشحنه بشحنات الحماسة المطلوبة.
ولأن الانتخابات المزمع اجراؤها في الخريف القادم، يراد لها حسم الصراع السياسي في البلاد عبر آلية الاقتراع العام، فان فتور الحماسة الشعبية ومقاطعة قوى سياسية كبيرة وصغيرة والتشكيك المبكر بعدم النزاهة، سيترتب عليه شروخ في التمثيل السياسي،  ونقص في الشرعية، وضعف في قاعدة النظام السياسي الجماهيرية، وتراجع عن الممارسة الديمقراطية (على الاقل في شقها المتعلق بصندوق الانتخابات) اي ان ما أُريد منه ليكون مدخلا لاصلاح احوال البلاد، لم يكن بمستوى ماعُول عليه، وان التركيبة السلطوية التوافقية ستعيد انتاج الحكم بالطريقة التي الَفَتْها، فلا كتلة كبيرة وازنة تقود، ولا يوجد اتفاق واضح بين الكتل بنحو الصيغ الائتلافية التي تتبلور لقيادة البلاد الى مسار جديد، يستجيب للالحاح الشعبي.
إن السلطة هي ما يوحد ويجمع القوى التي تسعى الى الحكم بكل قوتها واموالها واجهزة دعايتها، واذا شعرت كتلة او حزب ان حصتها من هذه السلطة في طريقها الى التغيير، فانها لن تتوانى عن استخدام ادوات العنف السياسي الناعمة والخشنة لوقف هذا السيناريو، لذلك لامناص من جهد كبير وحوار عقلاني لتقريب اراء الاحزاب او الكتل قبل اجراء الانتخابات، اذ من شأن المقاطعة الواسعة والمشاركة المتدنية، ان يعيدا بناء الازمة السياسية بصورة اكثر استحكاما واشد انقساما.