فضاء الدراما الواسع وغياب الرقابة

الصفحة الاخيرة 2021/08/12
...

 رضا المحمداوي 
 
يَتسّعُ مفهوم الرقابة الفنية وتمتدُّ مساحته إلى أكثر من جانب أو مفصل مُهّم من جوانب ومفاصل العمل الفني ذلك لأنه يتضمّن الرقابة على المُصنَّفات الفنية وقراءة النصوص الدرامية على وجه الخصوص ومن ثم الحصول على إجازتها للإنتاج والتنفيذ، ويشملُ كذلك متابعة المنتج الفني وفحصه موضوعياً بعد جهوزيته للعرض الجماهيري، بل ويمتدُّ إلى ما بعد عملية عرضه على الشاشة في متابعة ورصد ردود أفعال الجمهور العام أو القيام باستطلاعات الرأي لبعض الشرائح والفئات الجماهيرية للوقوف على ما تحمله وتحتويه تلك المصنفات الفنية من أفكار ومضامين.
ومن هنا تستمد الرقابة الموضوعية والحيادية المستقلة أهميتها وضرورتها نظراً لما تمتاز بها آلياتها ومنهجيتها من دقةٍ وحساسيةٍ بناءً على خطورة وحساسية المضامين والأفكار التي تزخرُ بها الأعمال الدرامية المعروضة على الشاشة وضرورة توافر عنصر السلامة الفكرية لتلك المضامين.
وعندما نطلقُ مفهوم (الرقابة) في الوقت الحاضر بما تتضمنهُ من عمليات القراءة والفحص وإجازة السلامة الفكرية فغالباً ما يتبادر إلى الذهن سواء لدى المؤلف أو المخرج أو القناة الفضائية نفسها صورة الرقابة التقليدية المُتشدّدة والتي كانت تحكم الخناق على عنق النص الدرامي والتي مارستْها المؤسسات والدوائر الإعلامية طوال حقبة النظام الديكتاتوري الصدامي السابق بسنواتها الطويلة، لكننا لو ألقينا نظرة موضوعية فاحصة للإنتاج الدرامي طوال السنوات الـ18 الماضية بدءاً من سقوط النظام السابق عام 2003 مع فضاء الحرية المفتوح الذي عملت به القنوات الفضائية، وهو في النتيجة النهائية يعد إنتاجاً درامياً غزيراً ومتنوعاً ومتعدد من حيث جهات الإنتاج، لانتهينا بمشهد بانورامي يثيرُ سؤالاً: مَنْ قرأَ وفَحَصَ وأجازَ هذه النصوص ووافق على سلامتها الفكرية العامة؟.
ولجاءَ الجواب سريعاً بعدم وجود أية جهة رقابية رسمية مستقلة إدارياً وقانونياً تأخذ على عاتقها هذه المسؤولية الجسيمة أو تتحمل ما يترتب عليها من تبعات وآثار ونتائج، وذلك لأن المُدونات القانونية والتنظيمية والإدارية لعمل تلك القنوات لا تتضمن تحديد جهة رقابية أو مؤسسة رسمية أو هيئة وطنية تأخذ على عاتقها مسؤولية مراقبة ذلك الإنتاج الدرامي (باستثناء الإنتاج الدرامي في شبكة الإعلام العراقي) وبالتالي ليس هنالك ما يُلزم تلك القنوات بأخذ الإذن أو الموافقة لتنفيذ تلك النصوص من جهة هي غائبة أصلاً وليس لها وجود!.
ومن أجل الاستفادة من التجارب الرائدة في مجال الرقابة يمكن أن نأخذ التجربة المصرية في هذا المجال بما عُرِفَ عن مصر من غزارة في الإنتاج الدرامي وتعدد الجهات المساهمة فيه وقدرتها الواسعة على التسويق والتوزيع سواء داخل مصر نفسها أو في أسواق الدول العربية، اذ يوجد في مصر(المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام) وضمن هيكلية هذا المجلس توجد (لجنة الدراما) التي تصدرُ تقييّماً سنوياً عاماً للأعمال الدرامية ويتم رصد المخالفات التي تشمل الألفاظ البذيئة ومشاهد العنف والمشاهد ذات الإيحاءات الإيروتيكية ومشاهد التدخين وتناول المخدرات وعدم احترام القانون والإساءة للطفولة وحتى التجاوز على سلامة اللغة العربية.
فهل بإمكاننا تأسيس مثل هذا المجلس ولجنته الدرامية في العراق؟.