لماذا لم ينهض؟

الصفحة الاخيرة 2021/08/14
...

جواد علي كسار
 
هي شبهة عتيدة أجاب عليها الكثيرون في أعصار مختلفة، مؤدّاها: لماذا لم ينهض الإمام الحسين على عهد معاوية؟ ولماذا انتظر الإمام سيّد الشهداء عقداً من السنين، فصل بين استشهاد الإمام الحسن المجتبى عام 50هـ ووفاة معاوية في رجب عام 60هـ، ولم يتحرّك قبل ذلك؟
في جواب الحسين غنى عن كلّ جواب، وقد أوضح بلا لبس أسباب عدم نهضته في زمن معاوية، وأخّر ذلك إلى أن استلم يزيد الحكم، إذ أعاد الإمام سيّد الشهداء ذلك إلى أسباب تتصل بالمبدأ، وأخرى ترتبط بالسياسة وفنّ إدارة العمل السياسي.
بشأن الأسباب المبدئية فقد أشارت مصادر السيرة والتأريخ الى أن شيعة العراق كتبوا إلى الحسين بعد وفاة الحسن عام 50هـ، في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهداً وعقداً على حدّ تعبير الشيخ المفيد في كتاب «الإرشاد» لا يجوز له نقضه حتى تنقضي المدّة، فإن مات معاوية نظر في الأمر.
إنها أخلاقيات العمل السياسي عند أهل البيت والرغبة في حفظ السلام الاجتماعي بأقلّ كلفة ممكنة، إذ ذكر البلاذري في «أنساب الأشراف» أن الإمام الحسين امتنع عن جواب من دعاه إلى نقض بيعة معاوية، وكان يأمر شيعته وأنصاره ومواليه أن يكونوا أحلاس بيوتهم ما دام معاوية حياً.
هذه الأسباب المبدئية في الالتزام بهدنة عام 41هـ مع معاوية، تتواشج مع الأسباب السياسية، فقد كان الموقف السياسي بتقدير الإمام الحسين لا يسمح بمواجهة مع الحكم الأموي القائم بوجود معاوية، لاسيّما مع القمع المنهجي المنظّم الذي كان يضرب العراق وبالأخص الكوفة، والتركيبة المعقدة نسبياً لشخصية معاوية نفسه.
لذلك يذكر المؤرخون أن الإمام الحسين كان حريصاً كلّ الحرص على إبقاء شيعته في حال سكون، وقد كتب إليهم يوصيهم: «فالصقوا بالأرض، وأخفوا الشخص، واكتموا الهوى، واحترسوا من الأظنّاء، ما دام ابن هند حياً».
بقي الإمام يرقب المشهد بدقة، وهو يبصّر أنصاره وشيعته، بأن موقف أخيه الحسن في الموادعة، وموقفه المرتقب بالجهاد، سيان في الرشد والسداد: «إني لأرجو أن يكون رأي أخي رحمه الله في الموادعة، ورأيي في جهاد الظلمة رشداً وسداداً»، وهكذا كان!.