نافع الناجي
بالرغم من الأخطار الكارثية التي تحيط بعمليات الهجرة، لاسيما غير الشرعية منها، كالغرق في البحر أو الوقوع فريسة للمتاجرين بالبشر والمهرّبين، وتبديد المدخرات على وهمٍ أو سراب، لكن لا يزال حلم الهجرة يدغدغ مشاعر الكثير من شبابنا العربي عامة، والعراقي خاصة بسبب قساوة الظروف التي يعيشونها ربما، والواقع البائس الذي يرزحون تحت ظله، إذ لا يتخلى المهاجرون عن اسرهم وأصدقائهم وحياتهم عن عبث، فالبؤس والاضطهاد والبطالة وانعدام فرص العيش الكريم حولت الحياة لدى قطاعات واسعة من الشباب، لجحيمٍ لا يطاق، فحين أصبحت الأرض ساحة معركة وصراع، وانتثرت الطرقات بالدماء بدلا من القمح والأزهار، وأضحت {الهجرة} ظاهرة هروب وفرار من واقع أليم محزن، مليء بالصراعات والخوف من المجهول.
آلاف المهاجرين العرب غادروا أوطانهم من سوريا، والعراق وليبيا، واليمن ولبنان ومصر، سواء من جحيم الحرب والاستبداد أو من فقرٍ مدقع أو من البطالة المنتشرة في أغلب الدول العربية، وفي العراق وبعد امتداد رقعة الفقر واضمحلال الطبقة الوسطى منذ تسعينيات القرن المنصرم وانعدام فئة الفقراء، بلغ عدد المهاجرين غير الشرعيين (85) ألف مهاجر في اليونان فقط، وهناك مجموعات كبيرة تأمل في هجرتها بحياة أفضل في مكان آخر من العالم.
حرب تلو الأخرى
الباحث الأكاديمي عدنان سمير دهيرب، قال لـ {الصباح} ان {عدم الاستقرار السياسي في العراق يعد أحد الأسباب الرئيسة للهجرة، فحالة الفوضى والتوتر العميق التي يعيشها المواطنون بسبب الاضطرابات الأهلية والتوترات السياسية بين مختلف الأحزاب الحاكمة والاشتباكات العسكرية المستمرة والهجمات الإرهابية ووجود الجماعات المسلحة والعنف المستشري في مناطق متعددة من البلاد، كلها أسباب تثير المخاوف وتدفع بالشباب والاسر للهجرة خارج البلاد}.
وأضاف {تحتاج البلاد الى ترسيخ مفاهيم السلم الاهلي اولاً وإعادة تفعيل النظام المؤسساتي المستند الى قوة القانون، فضلاً عن تأصيل مبدأ المواطنة الصالحة والمساواة بين جميع أفراد الشعب كي ينال الجميع فرصاً متساوية في العمل والاستحقاقات والمكتسبات بدون تمايز}.
البطالة وهشاشة الاقتصاد
ومن جانبه قال الخبير الاقتصادي ماجد عبد الحميد: ان {الواقع المأساوي للعراق منذ 40 عاماً، شكّل عواقب اقتصادية وخيمة ناتجة عن النزاعات والحروب المستمرة، إذ لا يمكن أن تمر تلك الأزمات من دون أن تترك آثارها العميقة على البلد والمنظومة المجتمعية}، مضيفاً {هذا الواقع المتأزم الذي يعصف بالبلاد أدى لانعدام فرص العمل خاصة مع التضخم البشري أمام الفرص المتاحة، والتحولات الاقتصادية نتيجة قلة الدخل و ارتفاع الأسعار، اذ فَقَدَ فيها نصف الشعب سبل العيش الكريم والنصف الآخر يرزح تحت خط الفقر، ما جعل خيار الهجرة وخاصة بين أوساط الشباب، من أفضل الحلول رغم صعوبته وتكلفته العالية، إذ تبلغ تكاليف الرحلة بين 1500 إلى 25000 دولار في بعض الأحيان}.
من جهته قال الشاب (عمار 24عاماً) ان {قرار خروجي من العراق بات نهائياً، فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية وقلة الدخل جعلت المعيشة صعبة جداً، وفوق ذلك جاءت كورونا لتقضي على أي أملٍ متبقٍ لنا}.
خوف وإحباط
كما حصل في حقبة الحصار في التسعينيات، فقد ارتفعت معدلات الفقر والبطالة مسبّبة الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية، وهو ما وضحه التربوي عبد الهادي جاسم {أدت هذه المشكلات الى تفشي الجرائم والقتل والسرقات والتسليب، بغية الحصول على المال بشتى الطرق، فكثير من الأشخاص من أصحاب الاسر أو بحاجة للزواج ولم يجدوا فرص العمل، تقودهم ظروفهم للإقدام على ارتكاب جرائم مثل القتل والخطف والسرقة خاصة مع الانفلات الأمني الذي يعيشه العراق، ما جعله من أخطر مناطق العيش، وهي أسباب كافية لإحباط الشباب والدفع بهم نحو باب الهجرة بحثاً عن حياة جديدة تخلو من العنف والقهر والحرمان، وهذا ما جعل الدول الأوروبية وجهتهم الرئيسة}.
واضاف {لابد لأجهزة الدولة المختلفة أن تسارع لإيجاد الحلول، فالشباب هم الثروة البشرية لهذا الوطن وهم القوة العاملة للمستقبل، والبلدان لا تنهض الا بالبناة من ابنائها}.
غياب القانون
الحقوقي حازم الصفار، أكد لـ {الصباح}: {لا يمكن لغياب القانون والشعور بالأمن والسلامة أن يسيران جنباً إلى جنب، إذ يتلقى كثير من المواطنين تهديدات شخصية كالقتل والخطف والقمع العنيف (سواء لأسباب دينية أو سياسية) في ظل غياب تام لسلطة وهيبة القانون، فالشعور بالحماية والإحساس بمعنى القانون فُقد عند الكثير من المواطنين، فهم عزّل متروكون بلا حماية}، لافتاً الى أن هذه الأسباب وحدها تدفع الشباب لمغادرة العراق} .
البحث عن العدالة
الشاب أمير، كشف عن ذلك قائلاً {بالرغم من مخاطر الوصول إلى الدول الأوروبية وتكاليفها الباهظة، إلا أن المهاجرين في حشود متدفقة ومجموعات كبيرة تهرب من واقعها الأليم عبر القوارب المطاطية في البحر، او تسلك طرقا جبلية وعرة وغابات كثيفة وسط اجواء مناخية قاسية}، واضاف {معظم الهاربين من أوضاعهم السيئة يعلمون أنهم سيواجهون الموت في كل لحظة حتى وصولهم إلى بر الأمان، إلا أنهم يفضّلون هذه المخاطرة في سبيل البدء بحياة رغيدة ومستقبل جديد في دولٍ تحفظ لهم الحرية والكرامة والإنسانية} حسب تعبيره .
حتى وقتٍ قريب، كان طموح الشباب العراقيين هو بناء منزل مستقل والزواج والوظيفة، أما الآن فقد أصبح الشغل الشاغل لهم هو السفر والاغتراب، ويبدو انهم قد فقدوا الأمل في العراق المنشود المحقق لتطلعاتهم، وقال (أمجد 27 عاماً) {في العراق وبظل هذه الأوضاع الملتبسة، لا يمكن أن تحقق شيئا، لا مسكن، ولا وظيفة ولا زواج، فمن الطبيعي أن يتوجه الشباب للدول التي توفر لهم العمل والأمن معاً، ويستطيعون من خلالها تحقيق ذواتهم وبناء مستقبلهم}.
بعد أن فهمنا كيف يفكر شبابنا وماهي خططهم، هل نتمكن من احتواء تطلعاتهم وتوفير الحد الأدنى من فرص العمل والوظائف وتيسير مبادرات الإسكان والزواج قبل أن يستمر نزيف هجراتهم التي لا تتوقف؟.