التلوث الالكتروني

آراء 2021/08/18
...

  د. فخري العباسي
   
والذي لا يقل خطرا عن التلوث الناتج عن الانحباس الحراري البيئوي.
 في عالم الالكترونيات المتنوعة، تحتل الأجهزة الإلكترونية الرقمية مكانا مهما في استعمالاتنا اليومية، فهي موجودة في كل مكان، في المنازل وفي المؤسسات وفي المدارس والمؤسسات التعليمية والبحثية. 
ما نعرفه اليوم، هو أن الاجهزة الالكترونية بجميع أشكالها تعد مسؤولة عن نحو 10 % من انبعاث الغازات ذات الانحباس الحراري وهو ما يمثل 10 % من استهلاك الطاقة في العالم، وهو الاستهلاك النسبي الذي تترواح شدته وتأثيراته من بلد 
إلى آخر.
يقدر علماء البيئة بأن الكلفة البيئوية لطاقة قدرها كيلوواط واحد بالساعة تشكل 60 غ من انبعاث الغازات السامة في البيئة في الدول ذات الاستهلاك المتوسط وقد تصل في بلدان مثل الهند أو الصين أو الولايات المتحدة إلى 900 غ.
ويشير العلماء إلى أن نسبة كبيرة من انبعاث الغازات ذات الانحباس الحراري ناتجة عن استعمال الأجهزة الطرفية مثل محطات حفظ المعلومات الالكترونية وتداولها التي تمتد من أجهزة الهواتف المحمولة الصغيرة الحجم إلى أجهزة معالجة المعلومات العملاقة التي أخذت تحتل مكانا مهما في الاستعمالات 
البشرية. 
وعندما نعلم بأن مشاهدة فيديو واحد على الخط الالكتروني يتطلب استعمال جهاز كومبيوتر أو هاتف محمول على الأقل، لا بد أن نتصور بأن هذا العمل يتطلب أيضا إنشاء وإدامة مراكز بيانات لتخزين المعلومات بداخلها واستعمال شبكات وأبراج مختلفة الأحجام لنقل هذه المعلومات وتوصيلها إلى المستهلك. كما أن الأمر يتطلب أيضا استعمالا رقميا الكترونيا يحتل حيزا كبيرا، في بيئة الكترونية تقع خلف هذه الأجهزة يتمثل في تصنيع هذه الأجهزة وصيانتها والتخلص من الأجهزة التالفة منها وهو ما يتطلب انتاج مواد تستعمل في صناعتها وتدويرها وغيرها من عمليات الإدامة المتنوعة التي تتطلب استهلاكا مهما من الطاقة الملوثة.
في العراق وفي معظم البلدان الناشئة إن لم نقل كلها، إذا أضفنا عامل التلوث في البيئة هذا إلى مختلف أنواع التلوث التي تعاني منها البيئة مثل انتشار المولدات الكهربائية في كل مكان والانتشار الفوضوي لوسائل النقل الملوثة للبيئة، وقلة بل وانعدام المناطق الخضراء مثل الحدائق والبساتين والأحزمة الخضراء المحيطة بالمدن الكبرى وطرق بناء المنازل، التي لجأت إلى تجزئة المنازل الكبيرة وإزالة حدائقها وعدم الاهتمام بالنظافة، الخ التي أدت وتؤدي إلى ولادة ظاهرة التصحر المخيفة في معظم المدن، فإننا نحصل على نسبة هائلة من التلوث الذي سوف يولد كارثة بل وكوارث بيئية متعددة يجدر التفكير بنتائجها الآن وليس غدا وقبل فوات الأوان.
إذا كانت مؤسسات الدولة تتحمل جزءا مهما من المسؤولية في الوصول إلى النتائج الكارثية المرتقبة التي تطرقنا إليها أعلاه، فإن المواطن ممثلا في الأجهزة الرقابية يتحمل هو الآخر أو تتحمل هي الأخرى جزءا من هذه المسؤولية. 
قد يقول البعض بأن الأوان قد فات اليوم وبأن من غير الممكن إيجاد حلول يصعب علينا العثور عليها لمعالجة هذه الظاهرة الخطرة، والتي يخرج التطرق إليها عن نطاق هذا المقال البسيط، غير أن معالجتها لا يمثل أمرا عاديا، بل أنه يتطلب عملا الزاميا من الأجهزة الرقابية ممثلة في منظمات المجتمع المدني وغيرها من الأجهزة الواعية والمسؤولة مثل المؤسسات المندمجة في أجهزة اتخاذ القرار أن تلعب دورها في دق ناقوس الخطر والعمل على تعبئة جميع شرائح المجتمع وأجهزة الدولة على تحمل مسؤولياتها. 
فإذا كان الخطر موجودا اليوم ويهدد حياتنا وبيئتنا بشكل مباشر، فإنه سوف يخرج عن السيطرة غدا وغدا ليس ببعيد عنا، الغد الذي تقول منظمة الأمم المتحدة بأنه سوف يشهد سنة 2030 زيادة في درجات الحرارة العالمية تصل إلى 1.5 درجة 
مئوية. 
قد يتطلب الأمر الاستفادة من خبرات الدول المتقدمة، التي تعمل على إيجاد الحلول لهذه الظاهرة ولكن يجب أيضا على منظمات المجتمع المدني ومنظمات المحافظة على البيئة أن تلعب دورها وتمارس أكبر قدر من الضغط على مؤسسات اتخاذ القرار، وصولا إلى درء خطر التلوث الالكتروني للبيئة الذي يزداد تهديده مع تزايد التقدم الاجتماعي وضرورات اللجوء إلى المزيد من استعمالات الأجهزة الإلكترونية.