تنافس اقتصادي أم حرب على الإرهاب؟

آراء 2021/08/30
...

 رزاق عداي
كثر الحديث عما يسمى بمشروع طريق الحرير للتجارة الصينية، المزمع عده خريطة طريق لاقتصاد كوكبي صيني، والذي سوغ «كما يرى البعض» الانسحاب الاميركي الاخير بغية اعادة طلبان من جديد وجعل افغانستان منطقة توتر، وهو مشروع لغاية الان يدور في فلك التنظيرات المستقبلية، وهذا لا ينفي توسع النشاط الاقتصادي الصيني العالمي، ما يهدد ميزان التنافس بين البلدين، والتوقعات في امكانية التفوق الصيني في تواتر النمو الكبير لها في افق السنوات القادمة، في وقت تتورط اميركا في مناطق عدة في العالم
 بكلف عالية، لذلك بدا هنالك شعور عند الساسة الاميركان وربما عند شرائح في المجتمع الاميركي نفسه بهذا الخطر، منذ ولاية الرئيس الأميركي الاسبق اوباما الذي عول هو ووزيرة خارجيته، هيلاري كلنتون، على اسلام معتدل بدلا من اسلام متطرف، بوصف ان أساس الارهاب العالمي المعاصر، ومرجعيته هو الاسلام بتصور الكثير من المفكرين والساسة في الغرب، وتم سحب الجيش الاميركي من العراق في عام 2011، بعدها جاء ترامب فتعزز اتجاه انسحاب القوات الاميركية، نظرا لرؤيته الشعبوية خصوصا في النشاط الاقتصادي، فعمد الى سحب قواته من افغانستان، بعد ان ثبت تعثر كلا التجربتين العراقية والافغانية في بناء الدولة، وبات واضحا ان الديمقراطية فيهما ليست على ما يرام لتفشي الفساد، اما في افغانستان بالاساس، فاميركا فشلت فشلا ذريعا في تقدير طبيعة المجتمع الافغاني القبلي والعرقي شديد التخلف، والمكون من امراء حرب متقاتلين، تنتشر فيه حواضن عدة لا تتقبل اسم الديمقراطية، شكلت احدى مقومات انتصار طالبان الاخير بما وفرته من ضرورات لوجستية جاهزة.
ولو عدنا الى العقد التسعيني من القرن الماضي، كانت اميركا فيه تعيش حالة تبلغ حد الغطرسة،كونها زعيمة المعسكر الذي خرج منتصرا على المعسكر الاشتراكي السابق، بعد حرب باردة دامت عقودا، وكانت ادواتها الاعلامية ومراكزها الفكرية تسوقها كقطب عالمي قوي ووحيد، الى درجة الاشتطاط عند بعض مفكريها، الذي ظن أن التاريخ بلغ نهايته بالليبرالية الجديد كصيغة تنسجم مع التطور الطبيعي للحياة، وكأي امبراطورية عبر التاريخ القديم خامرها شعور بانها حاملة لرسالة الى البشرية، تتمثل في نشر الديمقراطية، والقضاء على الارهاب العالمي، والذي مهد عمليا هو حادثة 11 ايلول في برجي التجارة العالمي في نيويورك، فكانت الواقعة وكأنها ام الحوادث، وبدت وكأنها الفرصة السانحة، لتنفيذ البرنامج الاميركي للقضاء على الارهاب، بمنطق الضربات الاستباقية، لاجتياح افغانستان والعراق بموجب قوانين صدرت من الكونغرس الاميركي، وهكذا ظل مفهوم الحرب على الارهاب مناخا يشكل المسار المحوري للسياسة الاميركية عالميا.
يبدو أن أميركا طيلة تلك السنوات كانت تعتقد انها ستبقى في القرن الحادي والعشرين هي القوة الاولى الفاعلة في العالم، ولكن التطورات اللاحقة اثبتت خطل هذا الاعتقاد، ربما جهل بالصيرورة التي تفعل فعلها، وتنجب قوى فتية تنافس الاقوى وتتحداه، على الاقل في المجال الاقتصادي، من بين هذه الدول ظهرت الصين كقوة اقتصادية عالمية قوية، تنافس أميركا، وتدفعها لتحاور طالبان اولا، وتنسحب اخيرا، وتعود طالبان لتحتل افغانستان ثانية، فهذا ما يفرضه التنافس الاقتصادي مع الصين، او حتى مع دول فتية اخرى ظهرت على الساحة الاقتصادية
العالمية.