القيم والعادات والتقاليد بين جيلين

آراء 2021/09/01
...

 عادل جبار عليوي
 
كثيرا ما تأخذنا الذاكرة لأيام طفولتنا وطريقة معيشتنا وآلية تربيتنا ولذاتنا، التي ضاعت في دروب السنوات وايامها ربما نشتاق كثيرا لكل ماجمعنا بتلك الدورب ورفقاتها، فيتسرب الحنين للألفةِ التي جمعتنا بأهلنا واصدقاء المدرسة والجار، كانت للأيام نكهة مختلفة جدا عما نعيشه في يومنا الحالي، الاحترام والمحافظة على الذوق العام واحترام القيم العامة كانت من اهم لبنات بناء شخصية الفرد العراقي، ومنذ نعومةِ أظفاره كان يتشرب المبدأ والضمير.
لذا نرى في هذه الرحلة العكسية تجليات مراحل عيشنا وتكون هذه الطباع التي لا نعرف ان نتجاوز فيها احدا دون القاء التحية عليه او مُراقبة المارةِ في الشوارع او كأن يكون إسماع الفتيات كلاما خادشا. 
وقتها كانت بيوتنا عامرة بالحب وموائدنا مزدانة بالمحبة بالخير، إضافة لوجود الام او الاب والاجداد، الاخ او الاخت الاكبر في البيت يعني الشيء الكثير، فحينما يجلسون في وقت الطعام او في تقديم نصيحة ما كُنا نعدها دستورا ونطبقها بحذافيرها من دون تمرد. حتى صفاء النوايا كانت بيضاء دون أي شائبة، كانت بنات الحيّ من دون حجاب في الشارع او الجامعة او عند مجيء الزوار ولم يخطر شيء او ادنى فكرة سيئة في البال، كانت الاخلاق سيدة المواقف في كل مكان كنا نجوبه. ونقف احتراما للمعلم وللشخص الكبير في السن.
‏‎كان لكل شيء طعمٌ مختلف وكنا ندخل مدارسنا وفي عقولنا عشرات الحروف حفظناها عن ظهر غيب، وكانت عصى المعلم تُرعبنا ونحن جيل لم نتربَ بين احضان المربيات بل شممنا عطر امهتنا، كُتبنا وواجباتنا المدرسية كانت تحت ضوء الفانوس وساعة النوم ليلا في اول ظهورٍ للقمر.
‏‎المقارنة بين جيلين امرٌ صعب للغاية فحينما نحاول استعادة الامس ومسح صورة اليوم نرى بأن هنالك فجوة لجيلٍ فتح عينيه على الدنيا، ولم يذق طعم النصيحة او المشورة او الجلوس للحديث كأسرة واحدة تحكي بطولات وقصص يومها على مائدة الطعام كيفما كانت انذاك. لكن للاسف تقلب الحال واصبح الاخ عدوا لأخيه والام لاتدري بأطفالها إن اكلوا ام شربوا ام تعلمو المهم انهم يعيشون يومهم كيفما يكن. ربما لاعجب في ذلك، لكنها حسرةٌ تملئُ القلوب فالتطور التكنولوجي قلب موازين الحياة واشبعنا احداثاً لم نكن نسمع او نرى لها مثيلا سوى في الخيال او الافلام، لكنها باتت واقع حال لا مفر منه. ربما ينتظرنا الحدث الاسوأ لاجيالٍ قادمة بعد ثورات الحداثة والمعلوماتية. فطفل اليوم لايهدأ له بال الا بوجود الايباد والكبار اغلبهم مشغولون بمصاعب الحياة ودواماتها، ولم يدر في خُلد احد عما يدور في كنفهم . فالتشتت اصبح على اشده في الأسرة والمجتمع، فالحديث في هذا الموضوع ذو شجونٍ ويحمل بين طياته الماً وغصةً في القلب.
‏‎فأن لم نتدارك حال المجتمع الذي بدأ يتشظى بسبب قلة التوعية والتربية الصحيحةِ والتعليم الذي بدأ يفقد الكثير من مسالكه التربوية فأننا ننحدر نحو منزلقٍ خطيرٍ جدا لا يُحمد عقباه. وان نصوب عقولنا نحو ما سلبته منا الايام الشداد التي سرقت الشيء الكثير من عاداتنا واخلاقنا، فالعودةُ الى جادة الصواب تحتاج كثيرا من الجهد والوقت لاعادة حياتنا الى ألقها وكيف يستطيب عيشها.