الشريك في الجريمة الدولية

آراء 2021/09/01
...

 زهير كاظم عبود
عد القانون الدولي التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من بين أخطر ما يهدد السلام والأمن الدوليين، وفق هذا المنظار أصبحت المواجهة العسكرية واجباً إنسانياً يقع على عاتق جميع الحكومات والمنظمات الدولية حماية للبشرية من نتائج جرائم وأفعال هذه التنظيمات.
وأغلب هذه التنظيمات تستعين بمساعدات لوجستيَّة أو معنويَّة من جهات ترتبط بها بمصالح مشتركة، مع علمها بفداحة الأفعال الجرميَّة التي ترتكبها تلك الجماعات، فتتورط بفعل الشراكة في الفعل الذي يخضع للمواجهة وانكشاف حقيقتها، فضلاً عن عدها متهمة بالمشاركة الفعلية في العمليات الإرهابية، سواء بدعمها بالسلاح أو بالمال أو 
إعلامياً.
ولما كانت من بين أولى مهمات المنظمة الدولية والحكومات الشرعية حماية أمن واستقرار المجتمعات والتصدي لكل الأفعال التي تؤدي إلى إلحاق الأذى الخطير بحياة البشر وتهدد حرياتهم وتلحق الأذى بالأموال وتعرقل مسارات الحياة في المجتمعات،  ليكون التكاتف والموقف الدولي المتضامن مبرراً ومشروعاً في التصدي لمثل تلك المجموعات الإرهابيَّة.
ولتعدد الأماكن التي برزت فيها تلك الجماعات تحت شتى المسميات والأسباب، ما يؤثر في حياة البشر واستقرارهم ليكون سبباً منطقياً لإصدار قوانين وطنية تفصل معاني الإرهاب وتضع العقوبات على تلك الأفعال التي ترتكبها تلك المجموعات، ليكون التضامن الدولي منهجاً متفقاً عليه ضمن حالات التصدي لهذه الظاهرة. 
وتباينت الأفعال الإجرامية التي ترتكبها تلك المجموعات في الجسامة والخطورة والرعب، لتصل في أحيان عديدة الى ارتكاب أفعال جريمة الإبادة الجماعية أو الجريمة ضد الإنسانية وجريمة العدوان وجريمة ضد السلام، ويتحدد دور الفاعل الإرهابي أصيلاً أو مشتركاً من خلال دوره وفعله في الممارسة والتنفيذ، الاشتراك يكون ضمن المساهمة المادية أو المعنوية التي يقدمها الشريك للفاعل الأصلي، وفي كل الأحوال فإنَّ العقوبات تطال الفاعل والشريك. 
الجريمة الدولية تعني كل فعل محظور أو سلوك يقع تحت طائلة القانون الدولي ويحدث ضرراً بليغاً بالأشخاص أو المصالح  التي يحميها القانون، وهذه الجريمة لا تتقادم ولا تسقط  ولا تمنح مرتكبيها الحق في الحصانة  ولا تمنحهم حق العفو، وتدخل فيها أعمال القتل والإبادة والاسترقاق وجرائم الحرب والاضطهاد الديني أو السياسي. 
وعدَّ القانون الدولي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والجرائم ضد السلم وجرائم الإبادة الجماعية وجرائم العدوان، جرائم خطيرة يجرمها القانون الدولي ويلاحق مرتكبيها وكل من تعاون معهم أو اتهم بأفعال المشاركة لتنفيذ تلك الأفعال، وتخضعهم للمحاكمة والعقوبة المقررة قانوناً، فضلاً عمَّا يلحقهم نتيجة الأفعال الجرميَّة بالغة الخسة والغدر، ولذلك فإنَّ اتفاقية روما التي أصدرت قانون المحكمة الجنائية الدولية وضعت لها اختصاصاً للنظر في مثل تلك الجرائم، علاوة على القوانين الوطنية التي شرعتها العديد من الدول.     
الشراكة في الجريمة يجعل مفهوم الاشتراك أو التواطؤ من الفرد أو المجموعة أو الدولة  مسؤولاً من الناحية الجنائية نتيجة أفعال الآخرين. وقد تشمل عملية الاشتراك في ارتكاب الجريمة مساندة الجاني والتآمر معه. يعني هذا أنَّ الجريمة ارتكبت من قبل شخص آخر، إلا أنَّ الشريك قام بمعاونة الجاني بمده بالسلاح أو بالمال أو بأدوات الجريمة أو قام بتحريضه في عملية ارتكاب الجريمة، وتمت الجريمة بناءً على هذا 
الفعل.
فإذا كان المجتمع الدولي يرى أنَّ التنظيمات  الإرهابية التي تمارس عمليات القتل الممنهج بإصرار وتعمد بحق الشعوب، وأنَّها ترتكب افعالاً يطالها القانون الجنائي الدولي، فإنَّ الشريك في هذه الجرائم يستوجب أنْ يكون ضمن عمليات التحقيق والمساءلة القانونيَّة، سواء كان هذا الشريك فرداً أو حكومة أو مجموعة من الأشخاص.
إنَّ هذه الأفعال الجرمية المرتكبة من قبل الجماعات الإرهابيَّة تستوجب ليس فقط ملاحقة المرتكبين وإيقاع العقاب القانوني عليهم، إنما كشف حقيقة من يمولهم  ويسهل لهم ويساعدهم ويحرضهم على ارتكاب مثل هذه الجرائم، مع أننا ندرك أنَّ التحقيقات والمحكمة الجنائية الدولية غير متحررة من الهيمنة السياسية من قبل دول عظمى تلعب دوراً خطيراً في المنطقة، إلا أنَّنا وعلى أقل تقدير ينبغي أنْ نعرف أنَّ الشريك  ليس بمنأى عن المسؤولية القانونيَّة، وبالرغم من أنَّ الفطين يدرك أن اللعب بالنار يمكن أنْ يحرق اللاعب، فمثل هذه التنظيمات لا تتوانى أنْ تحرق من يساعدها وتنقلب على مموليها ومحرضيها، ولعلَّ القريب من التاريخ يبرهن لنا على مديات صحة ذلك.
ووفقاً لاتفاقيات جنيف فإنَّ احترام القانون الدولي الإنساني موجبٌ وملزمٌ لجميع الدول، وبالتالي فإنَّ انتهاك قواعد هذا القانون يحقق المسؤولية الجنائية، وبالتالي يضع المسؤولين عن تلك الدولة يتحملون بصفتهم الشخصية العقوبة التي ينص عليها القانون الجنائي الدولي وفقاً للفعل المرتكب من قبلهم. 
وفي الوقت الذي يتعامل فيه القانون الجنائي الدولي بصرامة بحق مرتكب الجريمة الدولية لما يؤثر في مناحي الحياة الإنسانية، ولما يتركه من آثار وجروح عميقة في النفس البشرية، فإنَّ المنطق يقضي بأنْ يتم شمول الشريك في هذه الجرائم، لما تشكله أفعال جنائيَّة يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من البشر، نتيجة أعمال الإرهاب التي تمارسها تلك الجماعات بالتعاون مع مسؤولين ودويلات لم تجد لها رادعاً أو تعاملاً قانونياً سليماً، ما أسهم في إيغالها عميقاً بتلوثها بدماء أعداد كبيرة من البشر، وحتى تكون صفحة ناصعة من صفحات الحياة الإنسانية تلزم الدول بعدم تقديم أي مساعدة مادية أو معنوية لمثل تلك الجماعات وأنْ تتم ملاحقة الشركاء مهما كانت صفاتهم وأعمالهم ومراكزهم بأي شكلٍ كان.