أفغانستان.. بداية الأزمة

آراء 2021/09/04
...

 هشام جمال داوود
أثار موضوع الانسحاب الأميركي من أفغانستان قلق الكثير من الناس وتوجس الكثيرون بسبب عملية الانسحاب هذه، والتي تزامنت مع سيطرة حركة طالبان على المدن الأفغانية التي تمر بها، والخوف الأكبر هو ان تسيطر طالبان على أفغانستان بصورة كاملة.
هذا الخوف يثير الاستغراب وكأن طالبان ستسيطر على أفغانستان لأول مرة، او انها لم تكن تحكم البلاد من سنة 1996 لحين الاحتلال الأميركي لأفغانستان خريف 2001.
القول ان طالبان تستولي على الحكم هو وصف خاطئ، والصحيح هو «طالبان تستعيد الحكم من جديد في أفغانستان».
 
في العراق هناك عدد غير قليل من الذين يحذرون من خطورة الموقف الإقليمي وتداعياته على الوضع الأمني في المنطقة وبشكل خاص في العراق، وهو امر غريب جدا كون وضع أفغانستان وضعا خاصا بالأفغان ومن غير الممكن مقارنته بوضع أي بلد او شعب آخر.
وللتعرف بشكل سريع وخاطف على ما جرى فيها من سبعينيات القرن المنصرم الى الآن نبدأ:
في عام 1973 كانت البلاد تحت حكم محمد ظاهر شاه، وفي زيارته للعلاج في إيطاليا مع زوجته قام ابن عمه محمد داوود خان بانقلاب عسكري، وتمكن من خلع ظاهر شاه واعتلاء سدة الحكم ليصبح الحاكم الجديد، ويغير نظام الحكم الى جمهوري ويكون اول رئيس لأفغانستان، وهذا هو «النظام الجمهوري الأول».
تمكن محمد داوود خان من النجاح في انقلابه بمساعدة حزب الشعب الديمقراطي «وهو اسم الحزب الشيوعي الافغاني»، والذي كان قد انقسم قبل سنوات قليلة الى جناحين وهما «بارشام» وتعني الراية بقيادة بابراك كارمال ومير أكبر خيبر، وجناح «خلق» وتعني الجماهير بقيادة نور محمد تراقي وحفيظ الله امين ومحمد نجيب الله، لكنه سرعان ما انقلب عليهم وبدأ بالتخلص اولاً من جناح بابراك كارمال وخيبر«البارشام» فابعدهم عن المناصب القيادية وابعد وزراءهم واستبدلهم بآخرين، وكانت هذه الخطة بالتواطؤ مع جناح خلق ليتخلصوا من منافسيهم.
في فترة حكم داوود خان تمكن الشيوعيون من إقناعه بضرورة الحذر من الإسلاميين لضمان امن واستقرار البلاد، فقام بحملات واسعة لاعتقال الشيوخ ورجال الدين مما دفع بالباقين لعبور الحدود الفاصلة بين أفغانستان وباكستان، انتهزت باكستان الفرصة واحتضنت هؤلاء المتمردين الإسلاميين، وقدمت لهم الدعم المادي والعسكري وقامت بتدريسهم وتدريبهم، وكان بينهم من سيكونون أبرز قادة البلاد في المستقبل وهم «برهان الدين رباني وقلب الدين حكمتيار واحمد شاه مسعود».
وتعود أسباب هذا الدعم الباكستاني لأن محمد داوود خان قبل توليه رئاسة البلاد كان قد شغل منصب رئيس الوزراء في عهد محمد ظاهر شاه من 1953 الى1963، وعلي الرغم من ان داوود خان كان من الاسرة المالكة، لكنه كان من قومية البشتون ومتعصبا جداً لدرجة انه طرح فكرة انشاء إقليم يوحد أبناء القومية البشتونية في أفغانستان وباكستان، بعد ان فرقهم الخط الحدودي الذي وضعته بريطانيا والمعروف باسم خط ديوران «durand line» الفاصل بين أفغانستان وباكستان، وهذا الامر يهدد امن ووحدة الدولة الباكستانية، التي كانت لا تزال دولة فتية في ذلك الوقت كونها تأسست ونالت استقلالها عام 1947، فعملت بكل قوة ان تزعزع وحدة البشتون داخل أفغانستان، كي لا تسنح لهم الفرصة في انشاء اقليمهم.
كما ان لعلاقة أفغانستان في ظل حكم «داوود خان او الحزب الشيوعي» مع الاتحاد السوفييتي كانت ايضاً سبباً مهماً في معاداة الباكستانيين للأفغان، وذلك لأن الاتحاد السوفييتي دعم موقف الهند في قضية إقليم كشمير.
هذه الأسباب دفعت باكستان للعب دور سلبي ضد أفغانستان، سواء كانت في ظل حكومة داوود أو فترة حكم الشيوعيين من بعده والتي سنأتي لتفاصيلها.
كان داوود خان قد تدارك خطورة موضوع إقليم بشتونستان، فتوصل الى حل للقضية مع رئيس وزراء باكستان آنذاك ذوالفقار علي بوتو، وبعدها قام بتعديلات دستورية وحاول رسم سياسة جديدة للبلاد تقلل من الاعتماد والتقارب مع الاتحاد السوفييتي، كما وابعد الشيوعيين القياديين خارج البلاد عن طريق ارسالهم كسفراء، واستبدل كل الوزراء جناح «برشام»، وقام بزيارة الى السعودية وعمل على تقوية علاقته بشاه إيران وهذا يعني انه بدأ ينفتح على المعسكر الغربي، وهذا الامر صار واضحاً لدرجة ان قال في احدى المرات للرئيس السوفييتي بريجنيڤ بعد ان حذره من وجود خبراء تابعين للناتو شمال أفغانستان، فكان جواب داوود له ان أفغانستان غير ملزمة بأخذ المشورة من السوفييت في ما يخص امنها وسياستها، وأخيراً عقد داوود خان اتفاقية تسليح وتدريب مع مصر السادات عام 1977. 
هنا دق ناقوس الخطر بالنسبة للاتحاد السوفييتي الذي قام بدوره باغتيال الشيوعي البارز مير أكبر خيبر في ظروف غامضة، الأمر الذي أدى الى تجمع آلاف الشيوعيين وقيامهم بثورة أطلقوا عليها اسم «ثورة ساور» وتمكنوا من قتل داوود خان ليصبح نور محمد تراقي رئيساً للجمهورية وغير اسمها الى جمهورية أفغانستان الديمقراطية، وكان هذا «النظام الجمهوري الثاني».