الصراع الانتخابي في العراق

العراق 2021/09/06
...

ابراهيم العبادي
ماهي المحددات المعرفية والنفسية التي تتحكم بوعي المواطن العراقي، حينما يقرر التصويت في الانتخابات المقبلة، او يمتنع عن التصويت؟ 
هذا السؤال يلخص في الاجمال الثقافة السياسية السائدة في البلاد، وهي ثقافة يغلب عليها (التماهي) بالمذاهب والطوائف والاعراق والبيوتات والزعامات، ولم تتحرر بعد من هذه الرابطة لتنتقل الى رابطة الرؤى  والبرامج والحلول التي تقدمها احزاب وشخصيات وجمعيات سياسية، فالتصويت في العراق منذ اول انتخابات برلمانية جرت عام 2005، تتحكم به محددات (الذاكرة) والتجربة المعاشة من حقبة الاستبداد والحكم الشمولي، فقد اهترأ النسيج الاجتماعي وتقهقر الوعي السياسي ليتمحور حول الهويات الفرعية بدل هوية الوطن الكبير، وصار التنوع العراقي يعبر عن نفسه وجوديا بنحو الدفاع عن الذات والجماعة وتأكيد حصة هذه الجماعة في هيكل السلطات. 
لقد احتدم التنافس بين خطوط الاحزاب والكتل والجماعات الشيعية، منذ تراجع زعيم التيار الصدري عن مقاطعة الانتخابات، وبعودة الكتلة السياسية الصدرية ارتفعت حدة التنافس الانتخابي وتزايدت خشونة الخطاب السياسي الشعبوي، وصار هدف الاحزاب والتيارات اثبات مساحة الوجود والتأثير، عبر التخويف من خطر المنافس وشد اعصاب الناس بشعارات ومقولات تدفعهم للتصويت الى العنوان الحزبي.
معلوم أن كل كتلة شيعية تحتفظ بجمهور ومحازبين ثابتين لا يتغيرون، اولئك الذين طوروا علاقة عاطفية ونزعة وجدانية، هولاء الناس لا يتوقع منهم تغيير ارائهم بين عشية أو ضحاها ما لم يحصل تغيير دراماتيكي كبير يؤثر في خياراتهم النهائية، هذه الكتل البشرية الثابتة نسبيا يتحكم بها الولاء النفسي وليس المتغيرات السياسية والاقتصادية، انهم كتلة (صلبة) يعتمد عليهم الحزب أو الجماعة، وهم اصوات مضمونة على الدوام، المراهنة ينبغي ان تكون على التيار الاجتماعي العام الذي لم يحدد خياراته والذي يتحكم به الموقف والتصور السياسي والاقتصادي وهو تصور غالبا ما يخضع للتبسيط والشعارات وليس المعرفة والبرنامج.
ان الفعل الانتخابي يتمركز اليوم على الولاءات وليس على خطط الاحزاب وفكرها وتصوراتها لكيفية انقاذ البلاد من ازماتها، ثمة من يميل الى التبسيط ويجعل من رئاسة الوزراء وكأنها مفتاح الحل، بينما بات واضحا ان الاشخاص ليسوا مؤثرين كثيرا الا بقدر مايحملون من رؤى وافكار عملية وجرأة في اقتحام حقول الالغام السياسية والامنية التي تنتشر في الساحة العراقية، ولم يطرح حزب من الاحزاب برنامجا للتغيير الاقتصادي والاجتماعي ومواجهة الفساد مثلا، بل الجميع منغمس في الترويج لزعاماته في ظل انعدام ثقة كبير، وشكوك كبيرة في ان تتعقد الخريطة السياسية اكثر من ذي قبل اذا لم تسفر الانتخابات عن كتل سياسية وازنة ذات عقلانية كبيرة، فالسمة الاكثر ترجيحا للمشهد السياسي المقبل ستكون التشرذم على نطاق واسع وحاجة الشيعية السياسية الى أوصياء ووسطاء يجمعون المتنافسين المتنافرين على حلول وسط تستغرق شهورا من المساومات لتحديد اسم رئيس الوزراء، بما يكرس العوق السياسي والتخبط في اوحال الازمات.