تأنيث الرنين المعدني

ثقافة 2021/09/07
...

ابتهال بليبل
 
بينما كنت أقرأ خبرا مقتضبا عن (روبوت تقرأ الشعر وترسم) سألت نفسي أثناء البحث في مستجدات وتفاصيل هذا الخبر: لماذا كلّ هذا الشغف والفضول والاهتمام الذي شغلني وأنا أتابع التفاصيل؟، هي مجرد آلة وليست بشرية.. آثار هذا السؤال في داخلي حيرة ودفعني للرجوع لبعض القضايا المتعلقة بالجنسانية وكتابة الشعر، والتكنولوجيا، وكذلك عمّا يعنيه أن تكتب الأنثى شعراً. وهل من المهم حقاً أن أسأل كيف يتفاعل الجسد الاصطناعي المصنوع من الأجهزة والبرامج مع الشعر؟، ثم ماذا يمكن أن يخبرني التعامل مع آلة عن نفسي كشاعرة؟.
عندما ظهرت (أول روبوت في العالم تكتب الشعر وترسم) على المواقع الإلكترونية، بدت الآراء مختلفة بشدة حول إمكانياتها النسوية. بينما وصف بعضهم من مساندي النسوية هذا الابتكار بأنه -إيجابي- وهو رؤيا (تكنو- نسوية لعالم ما بعد الإنسان)، وتساءل غيرهم: ما إذا كان روبوت بجسد انثوي جذاب يكتب الشعر؟ ولكن لم تحدد كل تلك التعليقات والآراء والتساؤلات مشكلة المرأة، على الرغم أن مشكلة الروبوت الأنثوي هذا خطيرة بالنسبة لأجساد الإناث، اللواتي من الممكن أن يتعامل معهن على أنهن (لعبة يمكن التخلص بسهولة منها). 
وأود هنا أن أتناول فكرة عبرت عنها منظمات نسوية سويدية -2019- عند مراجعتها- لم تصف الروبوتات الأنثوية بأنها فقط (صورة تشجع على استغلال أجساد النساء) ولكنها ذكرت أيضا أنه (لا يمكن للأنثى الروبوت رفض أوامر الرجال مطلقا، إلا إذا تمت برمجتها لتفعل ذلك)، إذ يأخذني هذا القول إلى مجموعة من الاشكاليات الافتراضية التي انبثقت عن الخبر، ومن ثمّ طرحها عبر أسئلة حادة الزوايا، أسئلة عن (المعنى) و(الجدوى) عن (التلقي) و(التأويل) وعن كثير من الاشكاليات الكبرى التي تتعلق بأثر الكلمة واللوحة وعن طبيعة انتاجهما ومنتجهما وثقافته ومدى أصالة هذا الانتاج ومصداقيته.
 إنّ الفن عموما والأدب خاصة يجب أن يصدر عن تجربة حياتية محتدمة حتى يقدم لنا اشارات تدفعنا للتفاعل ومن ثمّ التغيير فكيف لنا أن نتخيل أن (المقاومات والمتسعات والاسلاك الدقيقة والبطاريات والبراغي والصواميل والخوارزميات الخ..) ستكتب وترسم معبّرة عن هواجسنا وأحلامنا وكيف يمكن أن نثق بقلب لا نبض فيه.. وعن منتج لا يصدر عن (ذات) انسانية واعية حرّة بل من (روبوت) فاقد لأي مظهر من مظاهر الحرية يمكن أن يؤدي فقد الشحن فيه إلى هلاكه الفوري. تسمح نظرية التحليل النفسي لدونالد وودز وينيكات (1896 - 1971) عن الذات الزائفة بأنماط التفكير التحليلي والتركيبي الربط بين الأنثى والروبوت «Ai-Da» لأسباب منها ما يحدّد الهوية الجنسية ليس لأنه اعترف بالروبوت بأن تجنيسه أنثى بل لأنه ينسب هوية ذاتية زائفة للمرأة، على الرغم من الشعارات الأخرى التي تطلق على الروبوت الأنثى من ابداع وحداثة وتطور، ويؤكد في أن قوانين التعرف على الشيء تقوم عند الروبوت (غير شخصية أو عفوية) لأنها تعتمد بالأساس على الخوارزميات والمبرمجة والمخزونة مسبقاً أو الجاهزة، ومن ثمّ فإن فرض وجود الذات المزيفة من الأمور الممكنة بل والضرورية كجزء من المشروع، فضلا عن أن تكوين أو تفرد الروبوت يكون مشوّشا أو معاقاً لأنه يعتمد بالأساس على أفكار (الذكر) المبتكر. إنّ «Ai-Da» هو مثال استثنائي لنقل المعرفة المتجسدة من وجود الأنظمة الأبوية.. وفي رأيي، هو تعزيز للذكورية لنقل المعرفة التي تؤكد حال المرأة النمطية، كما أن مشاركة المعرفة عبر الروبوت هي مشاركة جسد المرأة وذاتها للحياة، وفي هذه المشاركة فإن المعقول هو الروبوت الذي دائما ما يكون مبرمجا بذاتية مزيفة بالفعل.