ثيودوركيس أيقونة الجمال الثوري

الصفحة الاخيرة 2021/09/07
...

 بغداد: سامر المشعل 
رحل ايقونة الجمال الثوري، الموسيقار اليوناني ميكيس ثيودوركيس عن عمر ناهز 96 عاماً، موظفاً اناشيده وموسيقاه للدفاع عن حرية الانسان وسعادته، متماهيا مع القضايا الوطنية لشعبه بمقارعة الاحتلال والفاشيست، وكانت اغانيه ضمادات لجراح الثوار وموسيقاه تسبح بأضواء الامل والشمس والحرية وتمنحهم الحلم في تحقيق الانتصار على اعداء الوطن.
ثيودوركيس  (1925 - 2021) كان ملهما للثوار ورمزا من رموز المقاومة، مزج الموسيقى والشعر بالثورة والاحتجاج الشعبي، وهو صاحب مقولة «الفاشيست بكل أسلحتهم ينهزمون امام الاغنية».
ألف الكثير من الاناشيد والاغاني والموسيقى المستمدة من التراث اليوناني، التي تدفع بالانسان الى التحرر من عبودية السلطة الغاشمة وفيها طاقة كبيرة للانعتاق من قيود الجسد الى فضاءات الحب والحلم كما في موسيقى فيلم «زوربا» والرقصة الشهيرة للممثل العالمي انتوني كوين.
وكانت له مواقف سياسية مساندة للعديد من الثورات والقضايا الوطنية في مختلف بقاع العالم، اذ دافع عن أحقية الشعوب للعيش بسلام واستقلال وكان مساندا وداعما للقضية الفلسطينية واسهم في وضع التوزيع الموسيقي للنشيد الوطني الفلسطيني، وكان يصف الاسرائيليين بانهم «حفنة من اشرار العالم».
رحيل الموسيقار الثوري اليوناني ثيودوركيس كان له صدى واضح وتأثير نفسي في عدد كبير من المثقفين والكتاب العراقيين، الذين اندفعوا للكتابة عنه على صفحاتهم الشخصية، بحروف صادقة بما جادت به قريحتهم وهم يستجمعون ذاكرتهم ومدى تأثير هذا الموسيقار العالمي في تكوينهم الثقافي والمعرفي.
 
ثيودوركيس في بغداد
فكتب الناقد السينمائي علي حمود الحسن رثاء لثيودوركيس، مسلطا الضوء على أهمية ما قدمه من انجاز موسيقي في مجال السينما العالمية من شحنات ثورية قائلا: ما زلت اذكر ايام عرض فيلم «z» للمخرج غوستا غافرس في سينما سميراميس وسط بغداد، وكيف احتشد الجمهور في شارع السعدون لمشاهدة الفيلم، الذي يتناول قصة اغتيال زعيم ديمقراطي يساري معارض، بتدبير من الطغمة العسكرية الحاكمة يومئذ، باسلوب اقرب الى البوليسي التشويقي، وكان لموسيقى ثيودوركيس حضورا طاغيا ومؤثرا، والطريف ان ابطال «z» تحولوا الى ايقونات عشقها الجمهور العراقي، لا سيما ايف مونتان، وايرين باباس و جان لوي ترانتيان، ولا اعتقد ان فيلما شهد اقبالا كبيرا مثلما حصل في عرض «z»، بفعل هيمنة اليسار على الشارع العراقي آنذاك، حتى ان بعض المهووسين بالفيلم، كانوا يشاهدون الفيلم اكثر من عشر مرات.
واضاف حمود: ترك ميكيس ثيودوركيس مسيرة حافلة قدم فيها مئات الالحان والانغام، التي تقاسمتها اعمال سيمفونية وأوبرالية وأغان واناشيد، فضلا عن موسيقى تصويرية لافلام خلدتها، على شاكلة: «زوربا» (1964)، و«z» «1969» و «إليكترا» (1962)، والنشيد الوطني الفلسطيني، وعلى الرغم من جمال وعذوبة ورصانة موسيقى ثيودوركيس، الا ان مقطوعة «زوربا» غطت على مجمل اعماله- جماهيريا على الاقل- التي ادى رقصتها الممثل الكبير انتوني كوين في فيلم «زوربا» المقتبس اصلا من رائعة نيكولاس كازنتزاكي.
 
أصبح نائباً ثم وزيراً
ويستطرد حمود في حديثه عن ثيودوركيس: شغف بالموسيقى صغيرا وقدم اول عمل موسيقي له شابا، ارتبط بجذور بلاده العريقة ثائرا وحالما، فاستلهم موروثها العظيم في موسيقاه، وهذا يفسر انتشارها وعذوبتها على الصعيد العالمي والمحلي، اذ ولع بها اليونانيون ورددوا انغامها واناشيدها، فهي من وجهة نظرهم تمثل هوية بلد وأمل امة، وقاوم بشدة النظام العسكري، واعتقل اكثر من مرة، ونفي خارج بلاده، واكمل دراسته الموسيقية في باريس وتتلمذ على يد اشهر مبدعيها، وألف اعمالا موسيقية نالت شهرة وابداعا، وعاد الى بلاده ليواصل كفاحه ضد الفاشية والعسكرتاريا، التي سقطت سقوطا مدويا، وانتخب نائبا ثم صار وزيرا، ليعود بعدها الى باريس، وخلال كل هذه السنوات لم ينقطع يوما عن انتاج الحانه، التي استمدها من روح اليونان العظيمة من خلال اشعار وكتابات يانيس ريتسوس وارث اليونان
القديم.
 
موسيقى محركة للجماهير
ونشر الكاتب والصحفي فلاح المشعل مقالا مؤثرا عن الراحل ثيودوركيس نجتزئ بعضا منه وذكر المشعل بأن «الموسيقار اليوناني ثيودوركيس وضع مجموعة كبيرة من المؤلفات الموسيقية، توزعت بين قصائد غنائية وألحان راقصة واوبرات وموسيقى تصويرية وغيرها، ولعل اسلوبه التأليفي يعتمد النزعة الرومانسية الثورية ذات الطابع المتحرك الذي يعبر عن فكر التحول والحراك الاجتماعي، ويجسدها في انغام وجمل موسيقية متحركة بقوة وسرعة وتآلف درامي تشترك فيه الاوركسترا وبروح جمالية تنطوي على موروث وتأثيرات بيئية صريحة اذ تجد مؤثرات البحر والجبل وحكايات تتنفس موروثات معبد الاكروبوليس وجبل الاولمب، مع تجليات صريحة للاحساس بقوة الانسان والخروج عن نمطية التعبير من حدوده التلقائية، الى حركة تحرره من قيود الجسد والحاجة لاطلاق الطاقات الخفية، وكأنه يترجم مفهوم الحرية عبر الحركة وسلالم البناء الهارموني وتقاطعاته الحسية في تدفق لمشاعره وقراراته في صنع الثورة والتغيير، نعم انه قانون الحركة التي يقصي النمطية والاسترخاء والايقاعات الرتيبة، وهو ذات البعد الفكري الذي وضعه الموسيقار العظيم بتهوفن في السيمفونية الخامسة التي غاصت في اعماق الثورة الفرنسية
آنذاك» .
وختم المشعل حديثه بالقول «موت الموسيقار ميكس ثيودوركيس يعني ان البشرية تودع بصمت مخجل احد العظماء الذين جعلوا الحياة شهية» .