استعادة الإرث والأثر

آراء 2021/09/11
...

  ابراهيم سبتي
كل بلد يفتخر بحضارته الموغلة في عمق التاريخ، وكل حضارة تفتخر بأنها قدمت ارثا انسانيا كبيرا لا يمكن أن يحجبه غربال مهما بلغ منها الدهر. الحضارة العراقية واحدة من الحضارات المهمة والمؤثرة في تاريخ البشرية منذ آلاف السنين، والتي تركت ارثا تناقلته الحقب والأجيال لا يمكن تجاوزه، فقد شهدت تحولات متعاقبة بدأت من السومرية مرورا بالبابلية والاشورية حتى الحضارة الاسلامية، وادت جميعا دورا بالغ التأثير عالميا وجلبت الانظار اليها، منذ أن بزغت شمسها وغطت خيوطها عامة التاريخ الانساني، الذي يدين لها بالفضل وبأنها من أولى الحضارات التي علمت الانسان الكتابة ونظم الشعر وقوانين الحياة والتحضر الذي يليق بها. وفي خضم الفوضى التي حدثت بعد سقوط النظام السابق
طالت الدولة العراقية الكثير من الايادي التي امتدت الى الآثار العراقية، خاصة بعد الفوضى الامنية التي صاحبت دخول الجيوش الاميركية عام 2003، التي لم تحمِ الكنوز الاثرية والنفائس التي تختصر تاريخ العراق اختصارا مؤثرا في الاثبات العيني والحسي لتك الحضارة منذ آلاف السنين حين كان العالم يغطّ في نوم عميق.
فهربت الاثار الى الخارج بمختلف الطرق حتى وصلت الى اصقاع الارض وعرضت في المزادات والمتجرة بها، وحدث الامر ذاته بعد اجتياح الارهاب لمدينة الموصل واستباحة آثارها الخالدة.
وقد استعان العراق بالاتفاقيات والقوانين الدولية التي تعيد له الاثار المهربة وبما تتحمله تلك الدول من مسؤولية اخلاقية وانسانية، تجاه ذلك الارث الذي لا يقدر بثمن مادي ومعنوي.
وقبل مدة وجيزة وبعد مطالبات عراقية، استعاد العراق من اميركا، آلاف القطع الاثرية المهربة منذ عام 2003 وما تلاها، والتي كان من بينها احد اهم تلك القطع، وهو رقيم طيني عمره أربعة آلاف عام، مكتوب باللغة المسمارية عبارة عن مقطع من ملحمة جلجامش السومرية الخالدة، والتي تعد احد رموز وعيون الادب العراقي القديم.
الآثار المستعادة نقلت الى بغداد في خطوة تعيد الأمل باسترداد جميع القطع، التي خرجت من العراق سواء تلك التي نهبت من المتاحف او نبشت من الارض بصورة غير رسمية.
ونسمع بين آونة واخرى ان بعض الدول بالتعاون مع منظمة اليونسكو و الانتربول يقوم بالحجز على القطع الاثرية العراقية المعروضة في الاسواق والمزادات العالمية ومنع المتاجرة بها، تمهيدا لإعادتها الى بلدها الاصلي ووضعها في مكانها الطبيعي اللائق.
إنها التراث الانساني الذي يرتبط روحيا وحسّيا ومعنويا مع وجود العراق كدولة وارض وشعب وقيم اخلاقية.
وحسنا فعلت وزارة الثقافة حين اوعزت مؤخرا، بدراسة انشاء متحف عملاق ليضم بين قاعاته، جميع الحقب الحضارية، التي مرت بالعراق واعداد دراسات وافية لمشروع هذا المتحف بما يضاهي المتاحف العالمية ويليق بحضارة وادي الرافدين والارث الحضاري، الذي يمتد لآلاف السنين.
بصراحة أنها خطوة كبيرة ومهمة سيقع تأثيرها في راهن الاجيال والاجيال القادمة، وهي ترى عمق حضارة بلدها ومدى تأثيرها الحيوي في التاريخ البعيد والقريب.
ان الدول التي تعنى بالحضارة والاثر، تهتم كثيرا بإنشاء المتاحف العملاقة كمرموز ثقافي وسيادي، كما رأينا المتحف الكبير الذي أنشأته مصر مؤخرا قرب اهرام الجيزة.
ان التأثير المباشر والبالغ لإنشاء مثل هكذا صرح حضاري ضخم، هو التعريف بمديات واسس الحضارة العراقية التي علّمت البشرية ابجديات العلوم واللغة.
وهو بالتأكيد رمز عراقي بامتياز أركانه التاريخ الفاعل والعمق الحضاري والطموح والمشاعر الانسانية التي تحتضنه، وسيكون نقطة انتقال حضارية مهمة في تاريخ الدولة العراقية الحديثة.