مشروع قانون العقوبات الجديد

آراء 2021/09/12
...

 علي كريم خضير *
 قد يكون من السابق لأوانه الحديث عن مشروع قانون العقوبات العراقي الجديد، لعدم الإطلاع على مسودة القانون التي قامت الجهات الرسمية في الدولة بإعداد موادها وفقراتها التي صيغت من قبل رئاسة الجمهورية، لتتم قراءتها في البرلمان والتصويت عليها في ما بعد. إذ ليست العبرة في الشكليات وطريقة تداولها 
 
بل في مضامين القانون، ومَنْ قام باعداده، وصياغة مواده اللغوية التي ينبغي أن يعهد الأمر فيها إلى متخصصين بالشأن اللغوي بالدرجة الأساس.
ولا نغالي في القول، إذا وصفنا هذا القانون بأنه عماد عمل الدولة في إدارة المؤسسات الحكومية، هذا فضلاً عن القضاء الذي انشغل اليوم بصنوف من الجرائم لم تكن تشغل حيزاً كبيراً في سوح القضاء سابقاً، ولكن كثرة أعداد السكان، وازدياد المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كانت من وراء هذهِ الإشكاليات في المجتمع العراقي، فضلاً عن طغيان العامل القبلي والعشائري الذي أخذ يتسيد الساحة، ويكون بديلاً عن اتخاذ القانون وسيلةً في التنفيذ، وذلك لوجود التقاطع الكلي بين الجانبين، مع أنَّ الواقع الراهن يفرض حقيقة ترابط الأثنين من أجل إشاعة السلم المجتمعي بين المواطنين على أقل تقدير، والوصول إلى تحقيق سيادة الدولة على رعاياها في مختلف الظروف والأحوال.
ومن أجل ذلك ينبغي أن ينطلق تفكيرنا من مساحة عملية واقعية مجرَّبة في رسم خارطة القانون ، وألا نكون مثاليين في ذلك، وكأنَّا نعيش في دولة أجنبية، أو أوربية وننعم بثقافة مجتمعية إعتادت على تطبيق القوانين في كل مفاصل الحياة.
فمن أُم المصائب في الشرق أنَّها تريد أن تحذوَ حذوَ الغرب لكن بطريقةٍ لاتنسجم مع واقعها الملموس، ولا تؤثّر في مواطنيها التأثير الذي يجعلهم منقادين لإرادة الدولة والقانون، حتى أنَّ مثقفينا عندما يستشهد في تأشير حالةٍ سلبية سرعان ما يقارنها بحالةٍ وقعت شبيهةً في دولةٍ متقدمة.
إنَّ أُسلوب المقارنات يستدعي جملة عوامل من أهمِّها التقارب الحضاري، الذي تتم بموجبه المثقافة والتغذية العكسية بصورةٍ تدفع مفاهيم الحياة إلى سُلّم الارتقاء بكيفية عالية، ويكون التعاطي معها متوازناً بدرجةٍ لا تترك الإذعان، والخضوع يدبُّ في أوصال متلقيها، فتخفت جمرةُ الأمة التي تتأهب للصعود.
وحسناً فعل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل بضعة أيام عندما ردَّ على الرئيس الفرنسي ماكرون، الذي أخذ على الحكومة المصرية عدم تقيدها بحقوق الانسان ضد الجماعات الإرهابية.
إذ ردَّ السيسي عليه بالقول: وهل إنّ ضحايا الإرهاب ليست لهم حقوق إنسان.
وقد كان الكلام في معرض تطبيق «عقوبة الإعدام» ضد مجموعة من الجماعات الإرهابية، وقد أشار السيسي إلى الفارق الحضاري الذي يفصل الشرق عن الغرب.
وهذا لا يعدُّ عيباً بالمفهوم الدارج.
بل إنَّهُ في غاية العقلانية، وتمام الصحة. 
إذاً علينا أن نحذر من دعوات الغرب التي لا تريد لمجتمعاتنا الخير، ولا تريد لها أن تتعافى من حجم الدّمار الذي لحق بها بفعل الحروب والصدامات المسلحة بين أبناء الشعوب نفسها، كي تستأثر بخيرات البلاد العربية التي حباها الله بألوان النعم.
لذلك يعدُّ الاحتراس من الارتماء في فضاء الغرب من الخيارات التي تنهض بواقع الأمة من
 جديد. 
 وإذا كانت كتابة الدستور العراقي الجديد قد فرضته المرحلة على عجالة من أجل استتباب الوضع، وتفويت الفرصة على الأعداء، بعد أن أشار المتخصصون إلى بعض الهنات فيه.
فإنَّ قانون العقوبات العراقي الجديد يحتاج منّا إلى وقتٍ مليٍّ لكتابته ودراسته، وهو لا يقلُّ أهمية ً في غرضهٍ عن الدستور، إذا ما قلنا أنّه يمسُّ أكبر مساحة من شرائح المجتمع.
وينبغي أن يكون القائمون على كتابته من فقهاء القانون، وعلِّية القضاة في العراق، وأبرز المحامين والحقوقيين العراقيين، ورجال الدين من الملل والنحل كافة، هذا فضلاً عن الشرائح الحكومية ذات الشأن من أجل أن يأتي في نصابهِ الصحيح.
كذلك يجب أن ينأى القائمون على كتابته من انتقادات الرأي العام لأنّ القانون يدخل في مجالات تخصصية دقيقة.
وبذلك يعدُّ الركون إلى الرأي العام ومنظمات المجتمع المدني من قبيل الانحياز الايديولوجي الذي لا يقبله المبدأ العام السائد: القانون فوق
الجميع.