عبد الرحمن مجيد الربيعي

ثقافة 2021/09/12
...

حميد المختار 
رائد من رواد التجديد السردي في ستينيات القرن العراقي المنصرم، وهو من جيل ذهبي بامتياز أدخلوا القصة العراقية القصيرة في مختبراتهم السردية وأنتجوا نصوصاً نابضة بالحيوية والحداثة المبكرة حين تثاقفوا مع المدارس الغربية واستفادوا من ثورات التمرد العالمية التي حدثت في ستينيات العالم في اوروبا وأميركا وصدرت مجاميعهم القصصية ورواياتهم، وهي محملة بحمولات شكلانية فضلاً عن أهميتها الفكرية والتوثيقية، وقد احتفى النقد في العراق بنماذج كثيرة من قصصهم واذا عددتُ وذكرت أسماءهم الآن ربما لن يتسع المكان لهم، فهم قطب الرحى الابداعي الذي وصل تأثيرهم إلى القصة العربية في مختلف أرجاء الدول العربية. 
قضى أستاذنا الربيعي أزماناً طويلة في المَلاحق الثقافية خارج العراق واستقرت جولاته في تونس بعد أن تزوج هناك وحصل على الجنسية التونسية، وقد صادَفْتُه كثيراً هناك حيث كنا نلتقي في مقهى باريس في شارع بورقيبة، كان كريماً جداً وهو يحتفي بي ويعرّفني على أصدقائه من الأدباء التوانسة. 
كتب الربيعي ست روايات هي: (الوشم عام 1972، الأنهار 1974، عيون في الحلم 1975، القمر والأسوار 1976 التي تحولت إلى فيلم سينمائي من اخراج محمد شكري جميل، الوكر 1980، وخطوط الطول.. خطوط العرض 1983). 
وأعتقد هناك أيضاً رواية أخيرة وكبيرة جداً عنوانها (نحيب الرافدين) وللأسف لا أعرف السنة التي كُتبت فيها، فضلاً عن المجاميع القصصية التي كتبها في تونس وبعض العواصم العربية. 
روايات هذا الكاتب العراقي ترصد الواقع في تحولاته وتسجل بعمق كل التحولات الفكرية والمجتمعية والزلازل السياسية، إذ التزم بتسجيل الأحداث منذ بواكير كتاباته الاولى، حاله حال أقرانه وزملائه من أبناء جيله، جميعهم كانوا يضعون أمام أعينهم المتغيرات التي تعصف بالمجتمع والناس وهُم بانتظار الولادة الجديدة للذات العراقية الخارجة من أتون القهر والتعسف والدكتاتورية. 
لقد استطاع الربيعي أن ينقل لنا بحنكته هذه المرئيات عبر سرديات تحتفي بالإنسان المستلب والمطحون بهموم يومه وأحلامه وطموحاته، وقد وصف بدقة ما عانته النُّخب الثقافية العراقية المسحوقة والتي أصابتها خيبات كثيرة جراء فشل المشاريع السياسية في الأنظمة العربية وخسارة حروبها مع الكيان الصهيوني. 
أما على صعيد البناء والمعمار الفني لنصوصه السردية في القصة والرواية فقد حقق هو الآخر علامة فارقة منحته خصوصية ميزته بين أبناء جيله، حتى ان الكاتب (اسماعيل فهد اسماعيل) استعار يوماً أحد شخوص رواية الوشم ووظفها في احدى رواياته. 
الربيعي هذه الأيام مريض وقد عاد من تونس بعد سفر ابنه من زوجته التونسية وعاد إلى بيت ابنه حيدر وحالته الصحية للأسف ليست على ما يرام، لذلك بلَّغنا وزارة الثقافة والسيد الوزير فضلاً عن بعض وكلاء الوزارة المهتمين بهذا الجانب وأعتقد أنهم حتماً سيقومون بما يمليه عليهم واجبهم الوطني والمهني والانساني في انقاذ واحد من أهم أعمدة السرد العراقي وهو في خريف العمر، لكنه رغم كل ذلك مازال يتواصل معنا جميعاً ويتابع أخبارنا، تحية من القلب لقلب هذا الرائد الكبير.