إرهاب 11 سبتمبر وقيامة الشيطان

آراء 2021/09/13
...

 صلاح حسن الموسوي
 
«التاريخ يعيد نفسه, يبدأ بمأساة وينتهي بمهزلة!؟». هذا ماقاله كارل ماركس الذي يقّدر التاريخ الى حد القول بـ «اننا لا نعرف علما الا علم التاريخ»، وايضا يعد من أشهر المفكرين المنتقدين للنظام الرأسمالي، الذي نشأ في اوربا، القارة التي ولّد وقضى كل حياته فيها.
قصة الولايات المتحدة الأميركية وافغانستان خير مصداق لهذه المقولة، فالحكاية التي بدأت بهجوم القاعدة الخيالي والدموي على أبراج نيويورك الشهيرة ومبنى البنتاغون، قادت الى أن تحوز الولايات المتحدة على أكبر تعاطف في الصعيدين الشعبي والرسمي العالمي، ومن ثمَّ هاجمت أميركا افغانستان لتحتلها وتطرد طالبان من جميع المدن الأفغانية في غضون 64 يوما، وتنصب حكومة جديدة معلنة انتهاء عصر الظلام والاستبداد هناك، وبدء عهد جديد من الأنوار والديمقراطية ودعم حقوق الانسان، خصوصا النساء اللواتي اعتبرن بوفق الشريعة الحضارية الغربية من اشد ضحايا الحكم الرجعي والاستبدادي الطالباني.
تكمن المهزلة في نهاية الحكاية الأميركية، باستعادة طالبان للحكم واحتلالها لكابول بعد تحديد اميركا للموعد النهائي للانسحاب في يوم 31/ 8/ 2021, وفي مدة تقل عن الزمن الذي استغرق الأميركان في عام 2001 لاحتلال افغانستان, وقبلها قبول اميركا بالجلوس للتفاوض مع من سمتهم ارهابيين في العاصمة القطرية «الدوحة»، من دون استشارة او الاكتراث لآراء الحكومة المنتخبة في كابول، وبهذا التفاوض تكون أميركا قد كسرت اكبر التابوات التي فرضتها في السابق على العالم، وهو منع التعامل مع الارهابيين، بل حوّلت هذا المفهوم من خلال سطوتها العالمية الى شعار مركزي في برامج الحكومات التابعة لها وفي روح النتاج الثقافي العالمي، حتى بات الارهاب وبالتحديد ما أسموه بـ «الارهاب الاسلامي»، تعويضا دعائيا فاعلا وبديلا عن «الخطر الشيوعي»، الذي خفت حدة التخويف به بعد انهيارالاتحاد السوفيتي.
يذكر جورج تنيت رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية ابان هجمات سبتمبر في مقدمة كتابه «في قلب العاصفة» عن ذهوله لما نادى خلفه جاك بيرل عندما وصل الى البيت الأبيض بعد ساعات قليلة من الهجوم الإرهابي «يجب أن يدفع العراق ثمن ما حدث امس، انهم يتحملون المسؤولية»، وجاك بيرل كان يشغل منصب رئيس مجلس السياسة الدفاعية، وكان يلقّب بـ«أمير الظلام»، وهو احد عرابي المحافظين الجدد المعروفين بتبنيهم لعقيدة «المسيحية الصهوينية». وقد سعت هذه المجموعة الى تحويل حادث الهجوم الى ما يشبه الحرب الصليبية، تماشيا مع تنظيرات المستشرق الصهيوني برنارد لويس وصموئيل هنتغتون صاحب كتاب «صدام الحضارات»، وقد تحالفت هذه المجموعة «المثقفة» مع عرّابي الشركات الرأسمالية الكبرى، خصوصا ديك تشيني ودونالد رامسفليد لرسم سيناريوهات لمشاريع جهنمية مبيتة، جاء هجوم سبتمبر لمنح الذريعة لتطبيقها، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط، موطن النفط وساحة الصراع العربي – الإسرائيلي, وهذا ما صنع المنطق الواقعي، الذي لا يخيّر الولايات المتحدة المرتهنة، لنوايا شخصيات أنانية تخدم مصالحها ولا تخدم مصالح الولايات المتحدة، الا أن تغطس في مستنقعات افغانستان والعراق، ثم تغادرعلى وقع الهزائم، بعدما اثخنت شعوب المنطقة بجراح التمزيق العرقي والطائفي، وعرّضت ثروات هذه الشعوب للهدر والنهب والتدمير.