إثبات جريمة اليمين الكاذبة

آراء 2021/09/13
...

  القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي 
    لا شك أن اليمين لها الرهبة و قوة التأثير في نفس الانسان، وهي اكثر الظواهر الاجتماعية قدما واكثرها بعدا في تاريخ نشأته وتطوره لاتصالها بتكوين النفس البشرية، وما تنطوي عليه من عوامل الخوف والعجز وما تشعر به من ضرورة الالتجاء الى قوة تعلو القوة البشرية. والانسان دائما ضعيف امام قدرة الله وعظمته، فيشعر بالرهبة وجلال الموقف حين يقف طالعا خاشعا يضع يده على كتاب الله ليحلف باسم الله، فلا بد حينئذ أن يلتزم قول الصدق
الا ان البعض يحلف كذبا فيصبح امام عقوبتين، اولهما غضب الله سبحانه وتعالى وثانيهما عقوبة دنيوية وهي جريمة جنائية. واليمين نظام قانوني مستمد من العدالة يؤخذ في ظل ضمانة من الذمة او العقيدة الدينية، وهي بهذا الوصف تعد علاجا يحد من مساوئ نظام تقييد الدليل، بوصفه ضرورة لا يمكن الاستغناء عنها من أجل تأمين استقرار المعاملات، ولقد أخذ المشرع العراقي طبيعة النفس البشرية الأمارة بالسوء عن اداء اليمين. حيث لا يتردد ذو النفوس الضعيفة تحت دوافع الجشع وقلة الايمان عن اداء اليمين التي احتاط المشرع العراقي لها وعدها جريمة يعاقب عليها القانون في المادة «258» من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل و التي نصت على: «يعاقب بالحبس من الزم من الخصوم في دعوى مدنية باليمين اوردت عليه فحلف كذبا ويعفى من العقاب من رجع الى الحق بعد ادائه اليمين الكاذبة، وقبل صدور حكم في موضوع الدعوى» واليمين الكاذبة تؤدى من قبل حالفها في دعوى مدنية من اختصاص المحكمة المدنية.
 اما اليمين التي تؤدى امام المحاكم الجزائية فهي جريمة شهادة زور، وليس اليمين الكاذبة واركان هذه الجريمة هو وجود دعوى مدنية، واليمين وهي اهم اركان هذه الجريمة وهي اليمين القضائية التي تدلى اثناء السير في الدعوى المدنية، وتقتضي الجريمة أن يكون اليمين، التي حلفها الفاعل كاذبة وهي من الجرائم العمدية، لذا يشترط لمسؤولية الجاني توافر القصد الجرمي لديه، الذي يتجسد بالعلم والارادة، وعقوبة هذه الجريمة الحبس وجريمة اليمين الكاذبة من الجرائم، التي يتضرر منها الافراد، فضلا عن الحق العام. فاليمين الكاذبة تعد من الجرائم التي يتناول ضررها المجتمع، لما تسببه من عرقلة لسير العدالة في المحاكم واضرار كبيرة بضياع حقوق الافراد، وحيث إنه لا يجوز الصلح والتنازل عن حق المجتمع في المسؤولية الجنائية، وان المدعي في المسؤولية الجنائية هو المجتمع الذي نزل الضرر به ممثلا بالادعاء العام وعليه بموجب القانون العراقي، بإمكان المتضرر بصفة مخبر أن يقدم المعلومات والادلة المتوفرة لديه الى الادعاء العام، فالثابت إن المصلحة المعتبرة في تحريك الدعوى الجزائية ترجع الى مبررات كثيرة، منها ما هو متعلق باستقرار الامن والنظام العام من خلال اعتبارات استيفاء الدولة للعقاب العادل وهو نتيجة طبيعية ومنطقية لحق الدولة في سيادتها، وإن المقصود بتحريك الدعوى الجزائية هو البدء في تسييرها ومباشرتها امام الجهات المختصة، ويعد التحريك اول استعمال لها، وتتفق غالبية القوانين الاجرائية على أن الاصل في الدعوى الجزائية، انها تحرك دونما قيد يرد عليها فيحول دون ذلك، بوصف ان الجريمة تمس حقوق المجتمع ومع ذلك ترد على هذا الاصل بعض الاستثناءات يتعذر معها تحريك الدعوى الجزائية ازاء مرتكبي بعض الجرائم او في حالات معينة، الا باذن او موافقة خاصة من المجنى عليه او من الجهات الرسمية، فرغم تجريم فعل اليمين الكاذبة من حيث النص وكثرة حالات ارتكاب هذه الجريمة، الا إنه في الواقع العملي من النادر تحريك الدعوى الجزائية، وان المادة «119» من قانون الاثبات العراقي تنص على: «لا يجوز للخصم ان يثبت كذب اليمين بعد ان يؤديها الخصم، الذي وجهت اليه اليمين اوردت عليه...»، كما تنص الفقرة سادسا من المادة نفسها على: «لا يجوز لقاضي التحقيق المباشرة باتخاذ الاجراءات القانونية بشأن تهمة حلف اليمين الكاذبة الا بأذن من محكمة الموضوع».
 واليمين أما تكون حاسمة او متممة، ويجوز بالطريق الجنائي اثبات كذب اليمين الحاسمة بعد ادائها، وان لم يكن من المتضرر أن يقدم الشكوى، فان ذلك لا يمنع من تحريك الدعوى الجزائية من قبل اطراف اخرى، بل ومن قبل المتضرر نفسه بصفة مخبر او عن طريق الممثل عن الحق العام. وتعد اليمين الكاذبة مبررا قويا لاعادة المحاكمة لتحقيق الانسجام وتوافق الحكم المدني مع الجزائي، حيث إن جريمة اليمين الكاذبة تتعدى الحقوق الشخصية الى حق المجتمع، لأنها تؤدي الى انتشار السلوكيات الفاسدة وفقدان العدالة والتأكيد على اتخاذ الاجراءات القانونية، بحق مرتكبي جريمة اليمين الكاذبة لكبح جماح النفوس المسيئة التي لا تتورع عن ارتكابها.