أفغانستان.. بعض صور الصراع

آراء 2021/09/13
...

 هشام جمال داوود
تراقي لم يكن على علاقة وطيدة مع السوفييت إنما علاقته بهم كانت إيديولوجية فقط، حتى أن الرئيس السوفييتي ليونيد بريجنيڤ رفض طلب تراقي بإرسال قوات من الجيش الأحمر لبسط الامن في أفغانستان، وقال له على لسان رئيس وزرائه بأن من الخطأ ان نقوم بإرسال قوات لبلادكم، فإن هذا سيزيد الوضع سوءاً وانما عليكم التوقف من عمليات الإصلاح التي تستفز شعبكم وتتعارض مع القيم الإسلامية، مثل قانون الزواج وقانون الإصلاح الزراعي والاحوال الشخصية وغيرها.
بمختصر كان السوفييت على علاقة أكثر قوة بجناح «البارشام» من جناح «خلق» كما سنرى.
في النهاية وافق السوفييت على ارسال 500 مستشار عسكري ومعهم 700 مظلٍ متخفٍ بزي عمال الصيانة.
وفي هذه الفترة قام حفيظ الله امين بترتيب عملية قتل نور محمد تراقي داخل قصره بالتواطؤ مع رئيس حرس القصر.
ثار الشيوعيون في أفغانستان بسبب هذه الحادثة وحصلت مواجهات اضطر على أثرها حفيظ الله من استبدال محل اقامته وانتقل الى قصر تاجبك، ظناً منه بأن هذه الخطوة كافية لحمايته، لكن السوفييت بواسطة المظليين الـ700 الذين مر ذكرهم تمكنوا من قتله.
وقاموا بتعيين صديقهم القديم بابراك كارمال رئيساً للبلاد، والذي طلب بدوره تدخل الجيش السوفيتي لحمايته، وهذا ما جرى فعلا، اذ أرسل الاتحاد السوفيتي الجيش المجوقل 40 من الجيش الأحمر واجتاحوا به الأراضي الافغانية، لتبدأ مرحلة جديدة من التاريخ الافغاني وهي مرحلة المقاومة ضد المحتل الأجنبي، خصوصاً أن الفصائل المسلحة من الإسلاميين الافغان كانت قتل اكتملت جاهزيتها بفضل الدعم والتدريب الباكستاني والتمويل السعودي والتخطيط الأميركي، وكان هذا هو «النظام الرئاسي الثالث».
استمر كارمال بالرئاسة لغاية سنة 1986 ومن ثم قدم استقالته، خلفه بعد ذلك حاجي محمد لمدة تسعة اشهر، ليتولى بعده محمد نجيب الله رئاسة الجمهورية، قام محمد نجيب الله بتغيير منهج الإصلاحات اثناء حكمه، اذ حاول الانفتاح على الإسلاميين في محاولة لكسبهم لصالح امن واستقرار البلاد، لكن هناك ملاحظة مهمة وهي ان محمد نجيب الله علي الرغم من كونه سياسيا افغانيا بشتوني حاله من حال بقية السياسيين، لكنه تميز على محمد داوود خان كونه لم يكن بشتوني متعصبا وحسب انما كان متعصبا ويكره الباكستانيين وخصوصاً الباكستانيين «البنجاب»، مما زاد من محاربة الباكستانيين وكرههم له فعملوا على زعزعة امن واستقرار بلاده، نجيب الله بعد عودته من طهران سفيراً تولى في فترة حكم كارمال منصب رئيس جهاز المخابرات، كانت محاولات الإصلاح، التي قام بها نجيب الله تقابل بالتكذيب من قبل الإسلاميين باعتبار ان الشيوعيين منحرفون وكاذبون، وصارت الجماعات المسلحة تقابل إصلاحات نجيب الله بالتكذيب وتحشيد الجماهير ضده وكسبهم الى جانبهم، بحيث رفض الفلاحين موضوع توزيع الأراضي منطلقين من مبدأ «ان الله يرزق من يشاء بغير حساب»، وهو من يقسم الارزاق وليس الشيوعيين وهكذا دواليك، وفي مرة وبمقابلة صحفية مع حكمتيار قال: ان الشيوعيين لا مصداقية لهم، فمثلاً راعيهم الذي احتضنهم واوصلهم الى السلطة وهو داوود خان، فإن كان من الاسرة الملكية، اما قادتهم تراقي وحفيظ الله وكارمال وخيبر ونجيب الله كلهم من الاسر البورجوازية، ولا علاقة لهم بالطبقة الكادحة من عمال وفلاحين سوى الشعارات، ومن جهة أخرى كلهم متعصبون للقومية البشتونية. وهذا دليل آخر على كذبهم كون الماركسية تتعارض مع هذه التوجهات العنصرية.
واستمرت الحرب الاهلية طوال مدة حكم كارمال ونجيب الله خاصة وان باكستان كانت قد جهزت ما يزيد عن مئة ألف مقاتل بإشراف الولايات المتحدة ودربتهم على أراضيها وبتمويل سعودي كما ذكرنا، الامر الذي أنهك البلاد وجعل قواها خاوية ومدنها مدمرة، عندها توصل نجيب الله الى قناعة بأن المخرج الوحيد لازمة البلاد هو انسحاب السوفييت منهم واعتقد بأن جيشه وشرطته قادرون بمفردهم على مواجهة الإسلاميين ممن يطلقون على أنفسهم اسم «المجاهدين».
وجرى بالفعل اجلاء القوات السوفييتية من البلاد عام 1989 واستمر حكم نجيب الله الى سنة 1992، ثم قدم استقالته وسلم زمام الحكم الى قادة الفصائل الإسلامية لتدخل البلاد بعهد جديد لم يقل حروباً ودماراً عن سابقه.
بعدها انعقد مؤتمر في مدينة بيشاور الباكستانية عام 1992 وشكلوا الاتحاد الإسلامي، والذي كان من أبرز قادته برهان الدين رباني وصبغة الله مجددي واحمد شاه مسعود وحزب الوحدة الشيعي الافغاني بقيادة عبد العلي مزاري والحركة الإسلامية الشيعية بقيادة محمد أصف محسني، وأسفر هذا المؤتمر على تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة مجددي تعقبها حكومة لأربعة أشهر برئاسة 
رباني.
هذا الامر اغضب قلب الدين حكمتيار الذي تمرد عليهم وقام بمهاجمة وقصف العاصمة كابول هو وعناصر حزبه «الحزب الإسلامي الافغاني».
وهكذا فإن حرباً أهلية اندلعت بين الفصائل التي كانت تقاتل جنباً الى جنب ضد التواجد السوفيتي، ولم يتوقف الخلاف الى هذا الحد وانما حدثت خلافات أخرى بين المتحالفين زادت من تفاقم الازمة الداخلية وسوء الأوضاع، ومن أبرزها تمسك رباني بمنصبه وعدم التخلي والتنازل عن الرئاسة مما أدى الى غضب باقي الفصائل، واستمرت الخلافات الى ان وقعت بينهم صدامات واشتباكات مسلحة راح ضحيتها الآلاف من الافغانيين.