ريبال ملاعب وألوان المدن

ثقافة 2021/09/13
...

  يقظان التقي
الفنان التشكيلي اللبناني الشاب ريبال ملاعب يرسم ويعزف ويجترح حضورا بين بيروت، فيينا وزيوريخ استثنائيا. اقامت غاليري جانين ربيز معرضاً للفنان اللبناني المقيم في سويسرا ريبال ملاعب بعنوان “فيينا. زيورخ. بيروت”، ويضم المعرض لوحات أنجزها الفنان بين عامي 2017 و2020 بين النمسا وسويسرا ولبنان. 
معرض فردي اول، والأعمال المعروضة تزخر بطاقة قوية، يرسم الشاب كما يشاء بصراحة وإصرار، ولا يختزل الضربات لا التأليف ولا التعبير، على مستوى شعوري متدفق وبالإحساس الخام والطازج والتلقائي Naïf)) وبمستوى اخر من إغواء الرسم في بيت فني موصول بالفنان المرموق والقدير جميل ملاعب. 
الشاب في أقصى الحركة في السنوات الأخيرة يقيم على جسور وسلالم نغمية بين المدن والرسم والموسيقى بالحواس والتحولات والفصول والألوان، والألوان موجودة. أما تعطيها نفسا، أو حياة، هواء، او هي تعطيك نفسا افتراضيا وإضافيا ويتحركان معا.. 
 اللوحات انجزت بطبقات واحدة نسبيا، يبدو ريبال مقتحما للرسم ببطولة، عرف كيف يدخل اليه من خلال الجمل الموسيقية. وحركية نوتاتها ولكن بتمرديتها وحركاتها. يرسم بصوت تشكيلي صارخ، متصاعد الانفعالات. Crescendo   الشاب البالغ الكياسة والساكن والهادئ والباطني موسيقيا، يتقدم في الرسم بقوة الألوان وبمزاج لوني محتدم وتوحشي. وبمؤازرة تعبيرية مختلفة وباشباعات دفينة بتوافقات لونية ومن دون توافقات احيانا في قوة الألوان والأحجام والرغبات التجريدية العريضة وهو في صلب الرسم الحديث. 
مشهدية تجريدية نغمية والشاب يرسم بسهولة بمزاج واحد يصعب ترميمه. هكذا من دون تصنع ولا تكلف ولا مواربة والنتيجة رسم متدفق واستحالة ان تتعامل معه الا من خلال تلك التلقائية التي يفصل بينها وبين الاداء الموسيقي الكثير.. هل هو المزاج الآخر، أم مجرد استطرادات افتراضية أولية؟ 
من الصعب التقاط سيكولوجية فنية ذات صلة بالمادة والأداة والأداء مرادف للعمل الفني والنشاط المباشر، ومكان الحدث الفني وتحولاته والمدينة والزمن واللا زمن في عمر لوحة مقبلة بقوة ألوان وخطوط افتراضية تنساب في تسلسل احداث تتجمع في حدث يستنفر الفهم للحضور التشكيلي للرسم والموسيقى في واجهة واحدة، والمتابعة ممتعة. ومشوقة تالفا واسترهافات مقبلة. 
يختار ملاعب أعمالاً رسمها خلال السنوات الثلاث الماضية في فيينا وزيورخ وبيروت، إذ يستمد عنوان معرضه الذي افتتح نهاية الشهر الماضي في “غاليري جانين ربيز” بالعاصمة اللبنانية من أسماء المدن الثلاث، تحضر فيها مساحات لونية بطبقات كثيفة تحمل تأويلاتها المتنوّعة والمفتوحة على عوالم طفولية وأخرى ذات نزعة رومانسية غامضة.
الفنان التشكيلي اللبناني (1992) يشرح كيف انحاز الى تجربته في الرسم بعد توجّهه نحو الموسيقى زمناً، وهو الذي نشأ في ورشة والده الفنان القدير، أبرز الفنانين الانطباعيين والتجريديين العرب الناشطين والديناميين في انتاج اللوحة. وتدريسها جميل ملاعب (1948) واشترك معه في تنظيم العديد من الفعاليات الموسيقية والفنية في المتحف الذي يحمل اسم الأب، في مهرجان off.  موسيقي كلاسيكي شهد حضور فرق عالمية. 
يقول ملاعب في تقديم المعرض الذي يستمر في جولات في مدن سويسرية: (عدت إلى الرسم كما يعود أحدهم إلى بيت والديه في القرية، فيستعيد جذوره. لم يشعر أجدادنا بالراحة حتى حفروا بأيديهم في التربة وغرسوا الأرض واستمتعوا بالمحصول. أجد هذه الراحة عندما أملأ يدي بالطلاء الزيتي وأنجز لوحة ما. سافرت حول العالم مع الموسيقى، لكن فقط من خلال الرسم، تمكّنت من العودة إلى جذوري).
يقيم ملاعب جسرا لونيا بين بيروت وزيورخ. 
في أعمال أخرى، تتشكل الكتل اللونية فتصير مدنا وشخوصا، أقرب إلى رقص الباليه أو المشهد المسرحي الدرامي في محاكاة بمادة لونية أقرب الى الشرقية التي يحضر فيها الدفء والشمس والبيوت بطلائها الأبيض ونباتاتها التي تنمو عادة في حوض البحر الأبيض المتوسط بشكل خاص ولكن بلعبة نوطة غربية. 
ملاعب الابن الذي درس الموسيقى الكلاسيكية وتدرّب على عزف الكمان الذي تعلّمه في سالزبورغ، ثم انتقل إلى فيينا حيث استمر في الدراسة قبل أن يستقر في مدينة زيورخ، يذهب إلى التجريد كامتداد لاشتغالات ملاعب الأب مع انزياحات نحو التعبير عن تلك المساحات اللونية. ضربة قلب غنائية الى عالم الموسيقى في إيقاعاتها التي تتحرك شعوريا ذهابا وايابا. 
يكتب في تقديم المعرض: (أن تكون فناناً يعني أن تستمر في ابتكار عزلة هي خاصة بك وحدك دون غيرك من الناس.. الفن هو ملاذي. وممارستي الفنية أراها تغوص أكثر فأكثر في ما هو ميتافيزيقي: كم من الأبعاد بوسعي أن أقبض عليها مُتلبسة بالألوان والأشكال؟، أي عالم غير مرئيّ بوسعي أن أبتكره أو أن أراه فأصوّره؟).
يترافق معرض ملاعب الشاب مع سلسة حفلات موسيقية يحييها في عدة مدن سويسرية. 
تجريب فني، ما نجح مع الاخوة الرسام امين الباشا والموسيقي الكبير توفيق الباشا، بقي كل في ميدانه المبدع. ملاعب يجترح حضورا مزدوجا استثنائيا الى الان في شغفه ومتعته وتفجره.